السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون 0811_md_13154575231
السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون 0811_md_13154575231
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 8:59 pm


[size=21](من روايات أحلام )

الملخص
االملخص أن تعمل غريتا لدى الكونت رامون دوغارسيا . لهو أروع ما حدث فى حياتها . . . تعرف أن هذا الكونت المتعجرف تسرى فى دمه وحشية أسلافه الغزاة وتعرف أنه يفرض قوانينه الخاص وتقاليده الصارمة على من حوله ، ولكنه فى تعامله معها كان لطيفا ، ساحرا و . . صبورا . . . حتى عندما أعطته رأيها الصريح بأسلافه المتوحشين وبتقاليده المتحجرة . فلم يكن الكونت رجلا تهزه التحديات ما دام يمسك بكل الخيوط فى يده ، إلى أن انقلب السيف إلى حده الآخر الخطير ، حد العواطف ، فواجهت غريتا عند اذا رجلا آخر . . غازيا فاتحا لا يمنعه شئ من تحقيق ما يريد ، ولو على حساب الآخرين ! ! .


الفصل الاول

امرأة صادقة
عندما ولدت غريتا تيرنت كانت الأقدار قد منحتها هديتين ثمينتين... قلبا محبا وصدقا مطلقا . وإلى مدى محدد حبا للغات ، وطفولة مرحة غير معقدة . . ولكن هناك هبة أخرى ، كانت تتنهد وتطلب الحصول عليها : إنها موهبة الصرامة . . . لو أنها فقط تستطيع أن تتظاهر !
لم تدرك تلك النقطة الخفية من شخصيتها إلا يوم عيد ميلادها الثامن عشر . . كان من المحتم أن تتوافق المناسبة مع أول تجربة عنيفة التأثير لقدرة الجنس الآخر على تحقيق ما يريد دون جهد .
بعد وقت طويل من هذا ، أدركت أنه مجرد إنسان عادى . .. لم يكن محصنا ضد البؤس وقسوة الحياة التى تختبر قدرات البشر .
كان زميلا لوالدها فى العمل . . أصغر منه ببضع سنوات ، ولذلك كان من الطبيعى أن يتلقى دعوة إلى حفل عيد ميلادها ، وتقبلها بدهشة وتسلية ثم نسى أن يذهب .
بينما كان جهاز الستيريو يعزف التسجيلات الجديدة ومجموعة من المراهقين يصرخون ويغزون طاولة الطعام المفتوحة ، كانت غريتا تتجول وعلى وجهها تعبيرات حالمة تلهم الشعراء . .. ومع أنه تذكر بعد يومين وبسرعة قدم لها علبة شوكولا ، لم تغير شيئا . . إنه مذنب بالخيانة وكل الشوكولا فى العالم لن يواسيها .
أخيرا . .. انتحى بها والدها جانبا فى وقت متأخر من إحدى الأمسيات وانطلق فيما تسميه العائلة " إحدى خطب الوالد الفلسفية " وبعد التركيز على أن تكون منطقية وبضع جمل فى أشياء جانبية ، لا علاقة لها بالموضوع .قال بلهجة يائسة : حبيبتى . . يجب أن تتعلمى كيف تخفين ما فى نفسك عن الناس ! .

وتابع الضغط على هذا المنوال بشأن قسوة العالم ، وأن الطبيعة الصادقة هى أحيانا مصدر إحباط ، وهو لا يرغب أن يراها قاسية غير حساسة ولا يريدها أيضا أن تصاب بأذى . وأن التصريح بالحقيقة أحيانا يقود إلى المزيد من المشاكل فى الحياة ، عكس التصرف اللبق فى الوقت المناسب
أجل . . كل هذا عاد بها إلى فن النفاق والمداهنة اللطيفة . وهذه ليست موهبة . . بل هى مجرد بداية لمعرفة ماذا تعنى الحياة لفتاة ليست بارعة فى إخفاء مشاعرها !
وبدأت غريتا تفكر بهذا وتتعلم بألم ما بدا طبيعة ثانية لصديقاتها الإناث.. لكنها كانت لا تزال تعانى قسوة الصراحة التى لا ترحم ... ولا تزال تعترف فورا إذا ارتكبت خطأ صغيرا فى العمل حتى لو كانت النتيجة هبوط الغضب على رأسها ذو الشعر الحريرى الأشقر ... كانت لا تزال تبوح بكل الحقيقة الفجة بشأن أى شئ تسأل عنه ... لكنها تعلمت أن تكون متحفظة قليلا حين يتقاطع مسارها فى الحياة مع الجنس الآخر .
إلى أن بلغت سن التاسعة عشرة ووقعت فى حب رب عملها الجديد .
كان الخط الفاصل بين السماء والأرض ضبابيا خلال ثلاثة أشهر ، أخذها إلى العشاء ، علمها الإبحار ، وقال لها طوال الوقت أشياء تجعلها تزهر وتتألق جمالا ،
وأخيرا أخذها معه إلى روما فى رحلة عمل ، حيث كان صادقا معها لأول مرة وكانت هى أكثر صدقا عما قبل ... قالت له فى لهجة حازمة إنها لا تريد أى نوع من العلاقات مع رجل متزوج ، حتى ولوكانت تحبه وزوجته سافلة تماما . . أخيرا ، قالت له فى نهاية الرحلة الكارثة ،
إنها لا تريد أن تعمل معه بعد الآن ... ثم بكت كثيرا بعد ذلك إلى أن عرفت أن الإحباط هو أعظم محطم للقلوب ، وبشكل غريب لم تعد تتألم كثيرا بعد أن واجهت الحقيقة .
حين همد ضجيج العائلة ووصلت غريتا إلى نقطة قد تصرخ عندها لو قبلت كلمة أخرى فى الموضوع. قال والدها بقلق : كان يجب ألا ترمى استقالتك هكذا . . بل كان بإمكانك طلب نقلك إلى قسم آخر . . ماذا ستفعلين الأن؟ -سأسافر إلى الخارج .
صاح السيد تيرانت : الخارج ؟
وتمتمت السيدة تيرانت : الخارج ... لعطلة يا حبيبتى ؟
- لا . . بل للعمل.
بعدئذ خيم الصمت الرهيب . . وقبل أن يلتقطوا أنفاسهم ، قالت بحزم :
-اسمعوا ، لطالما أردت السفر ... إننى أجيد اللغة الفرنسية والأسبانية لدرجة تمكننى من التعامل مع المراسلات الواردة من مؤسسات أميركا الجنوبية ووكالاتها . .. فلماذا أضيع كل هذا هدرا ؟
سألت الأم بلهفة :
- لكن أى نوع من العمل ؟.
- لست أدرى بعد . لكننى زرت مكتبا وتحدثت معهم بالأمر ، وعندما يجدون ما يناسبنى سوف يبلغونى .
ساد صمت آخر وقال السيد تيرانت :
-هل أنت مصممة على هذا ؟
- أجل . . لقد فكرت بالأمر جيدا . . لذا أرجوكم لا تحاولوا إقناعى ... بل حاولوا تفهمى .
قال ببطء :
- حسنا . . لا يوجد ما يمنعك . . فقد لا تسنح لك الفرصة حين تكبرين وتستقرين .
وكادت تحتضنه لكنه تابع :
- أتساءل ما إذا كان فيرمونت يستطيع المساعدة ... فلديه اتصالات جيدة بالجانب الأوروبى لشركة ترانس تشيم . وقد يعرف شيئا بشأن توفر عمل السكرتارية . أظنك تفكرين بباريس ؟
نظرت إليه غريتا بثبات وهزت رأسها نفيا :
-لا . فى الواقع كنت أفكر بشمالى أفريقيا أو جزر الكانارى أو حتى . .. أميركا الجنوبية .
جلست السيدة تيرانت بضعف تردد كلامها المذهل ، فسارعت غريتا إلى مقاطعتها :
- كل هذا يتوقف على الناس والوظيفة نفسها . يجب أن أكون مستعدة للمرونة ، فلا فائدة من إختيار مكان محدد ورفض التفكير بأى مكان آخر أو أى عمل آخر .. قد أنتظر قرونا حتى أجد ما يناسبنى هذا إذا وجدته .
أجرت غريتا عدة مقابلات خلال أسبوع أو أكثر لكنها لم تكن محظوظة وفى كل مرة كانت تواجه إما نقصا فى المؤهلات المطلوبة ، أو أن طبيعة العمل ومواصفاته لا تناسبها ... وتدريجيا تنهدت العائلة بارتياح ... الأمر لا يعنى أنهم يريدون تقييد حريتها ، لكنهم لم يستطيعوا التخلص من حبهم الطبيعى لها ولا الإحساس بمسؤولية الأهل عندما تقرر ابنتهم الصغيرة المحبوبة أن تهجر مسكنها وتنتقل إلى أرض غريبة عبر البحار.
وذات صباح ، وصلت مخابرة هاتفية من مكتب التوظيف يسأل عن غريتا ويطلب زيارتها لهم بعد الظهر .
فى هذا النهار كان الغداء صامتا على غير العادة . . فقد كان هناك قناعة صامتة أن هذا الأمر سيحدث ، لكن غريتا ابتسمت وأكدت أنها قد تكون إنذارا خاطئا آخر .
وبالرغم من هذا ارتدت ملابسها بعناية واعتنت بزينتها وهندامها ... وانسدل شعرها الذهبى المصقول لامعا حتى ياقة بذلتها المشمشية . . كانت تغلق السترة أربعة أزرار لؤلؤية ، وتنتاسب مع الحذاء الذى يلف قدميها .
كانت الغرفة فى مكتب التوظيف مضاءة ... لكن دخول غريتا إليها زادها إشراقا مما جعل المرأة المتجعدة الوجه وراء المكتب تتفرس بها عن كثب وتبتسم بدفء مفاجئ .
جلست على كرسى حيث أشارت المرأة ، ووضعت يديها فى حجرها حتى لا تفضح توترها الداخلى . بينما المرأة تضع ورقة على الطاولة وترفع رأسها :
- والآن ، يا آنسة تيرانت ، هذا المركز . . فرصة مثيرة للفتاة المناسبة . . مع أنه ليس بالضبط عمل سكرتارية ... ما هو رأيك فى العمل مع الأطفال ؟
نسيت غريتا توترها :
- الأطفال ؟ هل هو عمل مزدوج ؟
-أبدا . . هناك صبى فى السادسة ، والمطلوب معرفة الإنجليزية وشئ من الفرنسية . . كما أن هناك فتاة فى السابعة عشرة ، ستكونين مرافقة لها . . . المرتب سخى وأنا واثقة أنك ستتلقين كل تقدير . . إنها عائلة رائعة ذات سمعة ممتازة . . أسلاف الدون تعود أصولهم إلى أيام الفتوحات .
ابتسمت المرأة مطمئنة :
- ولن نرسلك إلى مكان بعيد إلا إذا كنا واثقين من سلامتك . . فلنا سمعتنا التى نحافظ عليها . . وعليك كذلك أن تكونى مستعدة لتقديم كتب إعتماد تؤكد أنك مناسبة .
- آه . . أعرف هذا . . لكن . . قلت إلى مكان بعيد ؟
- آه . . أجل ! نسيت أن أذكر أنها عائلة إسبانية . . أنا آسفة ! ستقيمين معهم فى منزلهم فى "ليما ، البيرو" .
صمتت المرأة قليلا ، واضح أنها تنتظر بعض دلائل الانسحاب . . لكن غريتا لم تبد شيئا ما عدا لمعان مفاجئ فى عينيها اللوزيتين ، فتابعت المرأة :
- كذلك يجب أن تكونى واثقة جدا من استعدادك لتحمل الإقامة هناك . . فقد تتعرضين إلى أمراض حقيقية ... ولمدة سنة على الأقل ، وأن تكونى مستعدة للسفر مع من ستكونين وصية عليهم إذا لزم الأمر ، وإلا ستخسرين أجرة سفرك ، وهو مبلغ ضخم . لذا إذا كان لديك أدنى شك أخبرينى قبل أن نستمر أكثر .
التقت عينا غريتا بعينى المرأة :
- ليس لدى مشكلة ... هل سأحصل على معلومات إضافية حين أقابل رب العمل المقترح ؟
أحنت المرأة رأسها :
- لم يكن هناك داع لإرسالك إليه قبل أن ننهى الخطوات الأولية ... أما الآن . .
مدت يدها إلى الهاتف تستشير دفترا أمامها . فأدارت غريتا رأسها بلباقة تتظاهر باهتمام بلوحة زهور بينما المرأة تتحدث فى الهاتف ، ثم قالت بعد أن أغلقت السماعة :
- والآن . . عليك أن تذهبى يا آنسة تيرانت قبل الرابعة والنصف ، خذى معك هذه البطاقة . . صمتت لتكتب شيئا على بطاقة المكتب ثم :
- سنيورا جورادو ستتكلم معك وتقدم توصيتها بناء على اللقاء .
- ألن أقابل الشخص الذى سأعمل لديه ؟
ابتسمت المرأة :
- يا إلهى . . لا . . ليما تبعد أكثر من ستة آلاف ميل عبر المحيط . . والسنيورا جورادو تمثل العائلة . والآن لا تكونى متوترة ! ستجدينها فاتنة جدا ومتفهمة .
وقفت :
- من الأفضل أن تسرعى . . حظا سعيدا !
عندما خرجت غريتا من المبنى لوحت لسيارة أجرة كانت قد توقفت لتنزل الراكب ثم ركضت نحوها .
وجدت أن الإثارة تسرع دقات قلبها وتجعل معدتها ترفرف وهى تدفع أجرة التاكسى وتقف لحظة خارج الفندق . شكرا للسماء لأنها اعتنت
بمظهرها . . . أخذت نفسا عميقا ، وتقدمت إلى بهو فندق ( لندن لوكسور) الدافئ الهادئ .
وفى الردهة النصف دائرية لمكتب الاستعلامات لم يتحرك شئ فى قناع الموظف الذى رد عليها :
- سنيورا جورادو ؟ الطابق الأول ... ثم الغرفة تسعة عشر إلى اليسار يا سيدتى.
بدا لها أن هناك نصف ميل من السجاد الأزرق عليها أن تسير فوقه . . وقررت صعود السلم . . الغرفة تسعة عشر ، مثل عمرها . . سارت ببطء إلى أن وقفت خارج الباب الأبيض المذهب .
لم يكن هناك رد فورى على قرعها الباب ... ثم انفتح لتظهر فتاة سوداء الشعر بمعطف أحمر وهى تبتسم :
- واحدة أخرى ؟ تعالى وانضمى إلينا .
لم تتوقع غريتا أن ترى مرشحات أخريات ... نظرية سخيفة . . فلماذا تكون هى المتقدمة الوحيدة لها ؟
كان هناك أربعة منهم : إحداهن مسنة شاحبة الوجه مشدودة الفم مما يوحى بتوترها الداخلى . .. وفتاة مكتنزة مرحة تبدو فى سن غريتا ، ومراهقة ،
والفتاة ذات المعطف الأحمر التى فتحت لها الباب . الفتاة المراهقة بدت فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة ... التقطت نظرة غريتا وكشرت ، ثم مدت يدها إلى الوراء شعرها الكثيف .
انفتح الباب الداخلى ، وسأل صوت غريب جهورى :
- أنسة توربز . . ؟
قفزت المراهقة بخفة ومرح .
بعد ثلاث أو أربع دقائق عادت إلى الظهور لكن ليس بذات الخفة أو المرح ... تعطى إشارة الإبهام إلى الأسفل وهى تفتح الباب الخارجى .
لكن المرأة المسنة بقيت وقتا أطول ، وأمضت الفتاة المكتنزة حوالى عشر دقائق ، ثم استدعت الفتاة ذات المعطف الأحمر وبقيت غريتا وحدها .
اغتنمت الفرصة لتتأكد من أن مظهرها لا زال ممتازا ، لم تكن غريتا مزهوة بنفسها يوما ما ، بل العكس فهى لم تعرف أبدا مدى جمال الصورة التى ترسمها فى عيون بقية الناس . . لكن إحساسا طبيعيا كان يجعلها تكره اللامبالاة والمظهر الفوضوى .
كانت تعيد مرآتها إلى حقيبتها حين خرجت الفتاة ذات الشعر الأسود وهمست :
- لا تتصلى بنا . . سنتصل بك ... على أى حال أعتقد أننى فقدت تلك الرحلة .
مرة أخرى أصبحت غريتا وحدها . . مرت دقيقة . . ثم أخرى . . وثالثة . . ولم يكن هناك صوت فى الغرفة الداخلية ... وقفت مقطبة .لا يمكن أن ينسوها . . سمعت صوت قرقعة عربة شاى تمر بالباب الخارجى وأصوات مكتومة خارجا . . ثم صمت مجددا ... فجأة تحركت إلى الأمام ودقت الباب الداخلى .
لا أحد يرد . . عضت شفتها ، ثم دقت مرة أخرى وفتحت الباب قليلا . . ونظرت إلى الداخل وعلى شفتيها كلمة إعتذار . . وفى عينيها حيرة ... كانت غرفة الجلوس الواسعة فى الجناح خالية .
انسحبت مقطبة لتغلق الباب بهدوء ،وعادت إلى كرسيها قرب الباب الخارجى . . تتساءل ماذا تفعل ؟ هل يستحق ذلك هذا الانتظار ؟
انتابها الإحساس بخيبة الأمل ، ونظرت إلى الباب المغلق ... ربما استدعيت السنيورا جورادو خارجا لبضع دقائق . .
ستنتظر خمس دقائق أخرى ، ثم ستقرع الباب ثانية ... ربما تكون السنيورا جورادو قد عادت وإلا سوف تنسحب على أى حال .
انحنت غريتا تسترد قفازها الذى سقط من يدها إلى الأرض . . ووقع القفاز مجددا ، وعندما استقامت غريتا دائخة ، رأت النجوم تلمع أمامها . . ثم واجهت مباشرة نظرة سوداء مجفلة بقدر إجفالها وأكثر .
-سانتو . . أرجو عفوك !
عاد الباب الذى أصاب لتوه رأس غريتا إلى مكانه ، ووقف رجل طويل فى بدلة رمادية يعلوها :
- هل أصبت بأذى ؟ لم يكن لدى فكرة . .
هزت رأسها :
- لا بأس . . لقد أخطات بالجلوس قرب الباب .
ارتجف حاجباه :
- آه . . لا . . أبدا . . هل أنت واثقة أنك بخير ؟
- واثقة تماما .
وهذه حقيقة . .. فضربة على الرأس تخسر المنافسة أمام شخصية قوية رجولية كهذه ! بصعوبة ، وباهتمام مؤدب تخلصت غريتا من سحره . . وقالت :
-متأكدة جدا يا سنيور .
لمع حذر ما فى قسمات الوجه الأسمر ، ثم أحنى رأسه بأدب واستدار إلى الباب الداخلى . . فاسترخت غريتا . . ثم توقف الغريب والتفت :
-كنت ترغبين فى رؤيتى يا سنيوريتا ؟
ابتسمت :
-لا يا سنيور . . لكن ، أرجوك ... لدى موعد مع سنيورا جورادو . . وأتساءل ما إذا كنت . .
وتغيرت تعبيرات وجهها للحيرة التى ارتسمت على وجهه .
- لكننى ظننت أن كلهن قد ... منذ متى وأنت فى الانتظار ؟
- ثلاثة أرباع الساعة تقريبا .
- وتيريستا ليست هنا . . ؟
أفلتت منه كلمة لم تفشل فى ترجمتها ، وأخفت ابتسامة ، يبدو أن تيريستا هنا سيد جبار هذا إذا كانت زوجته ... لكنه كان يحرك يدا قوية جميلة الشكل ، فمرت من الباب إلى حيث أشار .
لم تعد الغرفة الداخلية تبدو متسعة بعد أن احتلها الجسد الطويل بالبذلة الرمادية . وأشار إلى مقعد ثم دخل غرفة أخرى ... ثم عاد بعد لحظات وعلى وجهه الأرستقراطى الوسيم شئ من الانزعاج .
قال :
- أنا آسف . . فالسنيورا جورادو ليست هنا ... أرجوك اقبلى اعتذارى للإزعاج الذى تعرضت له .
وقفت غريتا . . لم تستطع إظهار مدى انزعاجها على ضياع وقتها لكنها لم تخف رنة خيبة الأمل وهى ترد بسرعة :
- أرجوك لا تقلق . . هذه ليست غلطتك ... وشكرا على . . على السؤال لأجلى . . كان يمكن أن أنتظر دون جدوى لو لم تظهر .
ومدت له يدها لكنها تركتها تهبط مجددا ، فلم ينتبه لحركتها . قال :
- لحظة واحدة . . هل أنا على حق لو قلت إنك هنا بشأن مقابلة ؟ ... كل شئ مكتوب هنا . .وأشار إلى أوراق كان يتفحصها على طاولة مليئة بالزهور . . هزت رأسها تراقبه يزيح وعاء الزهور بنفاد صبر ، ثم رفع رأسه :
-كان هناك أربع شابات هنا ... وكلهن حصلن على إشارة غير مناسبة . . دعينى أرى . .
أخذ يقرأ الأسماء والتعليقات ثم رفع نظره :
- هل اسمك بينها يا سنيوريتا ؟.
-لا . . فاسمى تيرانت ... غريتا تيرانت .
تفحص اللائحة مجددا . . وهز رأسه :
-اسمك لا يظهر هنا يا آنسة ترانت .
أحست بإحباط :
- لكن يجب أن يكون مسجلا ... فلدى موعد دون أدنى شك . . صمتت ثم تنهدت بإرتياح وقد تذكرت البطاقة ، وبسرعة فتشت حقيبتها .
- لدى بطاقة من مكتب التوظيف . . ها هى .
أخذها ثم قطب ، ونظر مجددا إلى دفتر المواعيد ، حينئذ انزاح العبوس عنه .
- أعتقد أنه حدث ما يمكن أن نعتبره سوء تفاهم . وأخشى أن تكون تيريستا قد خلطت بين اسم تيرانت وتارليت .
نظر إليها بتمعن للحظات ، ثم قال :
- إذن يبدو أن لاشئ يمكن فعله الآن سوى أن أجرى معك المقابلة بنفسى . . وأطرح عليك كل هذه الأسئلة الشخصية المتطرفة .
عضت شفتيها :
- آه . .. لكن . . هل سيكون هذا صائبا ؟ أعنى . .
فجأة بدا لها أطول قامة ، والنور فى عينيه النفاذتين مخيفا أكثر :
- بالطبع سيكون صائبا . . لا تخافى يا سنيوريتا ! أنا أعرف عائلة رامون غارسيا أكثر من سنيورا جورادو . المسألة أنه من الأفضل أن نحصل على رأىامرأة .
أشار إليها لتجلس وجلس إلى الجهة الأخرى من الطاولة ... مرة أخرى أصبحت تلك الباقة الكبيرة من الأزهار عائقا بينهما . فوقفت غريتا باندفاع تنقل وعاء الزهور إلى طاولة أخرى . . بقى صامتا حتى جلست ، ثم قال بسخرية :
- شكرا لك . .. تبدين مفيدة جدا يا آنسة تيرانت .
على الفور تحول احمرار خديها إلى لون زهرى وأحست بالغباء ، وطغى عليها إحساس أنها صغيرة .
والأسوأ من هذا أن نظرته السوداء أشعرتها بأنوثتها يشكل لم تفعله بها نظرة أى رجل من قبل. .. وتصلبت لتخفى حرجها . . ثم ابتسم ، وعلى الفور تلاشى ارتباكها وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة فيها خجل . .. وقال بالإسبانية :
- هل سبق لك العمل مع الأطفال يا سنيوريتا تيرانت ؟
ردت بنفس لغته :
- لا . . وهذا شئ يجب أن أوضحه . أنا لست مؤهلة لتعليم الأطفال ،إذا كان هذا هو تطلبون . . برغم أن لدى مستوى مرتفع من التعليم إلا أننى لا أريد أن أضللك فى هذا المجال .
هز رأسه :
-لا يا آنسة تيرانت ... كارلوس لديه معلم خاص ممتاز فى اختصاصه ، فيما عدا أنه لا يجيد الإنجليزيه والفرنسية . . وتعليم كارلوتا يرتكز أساسا على تحسين إنكليزيتها ، وتوفير رفقة غير متوترة لها فى الوقت الحاضر .
سألت غريتا بدهشة وهى تفكر بالأمر من وجهة نظر إنكليزية بحتة :
- أليس لها أصدقاء من مثل سنها !
بدا لها من الغريب استيراد فتاة من انكلترا ... هل ليما خاوية من فتيات مناسبات ؟
وكأنه قرأ أفكارها فأشار بيده :
- ليس الأمر بسيطا هكذا ، فلم يتح الوقت بعد لكارلوتا كى تقيم صداقات جديدة مناسبة . . منذ ستة أسابيع ، عانت هى وشقيقها كارلوس خسارة كبيرة . . لقد فقد والداهما فى تلك الكارثة الجوية فى التشيلى . . ربما قرأت عنها ؟ ولم يكن هناك ناجين .
- آه . . هذا فظيع . . ! أنا آسفة .
رفع رأسه وقال:
- وقد أصرت جدتهما حينذاك على أن يأتيا إلى ليما ، وسيبقيان هناك حتى تتزوج كارلوتا ويكمل كارلوس تعليمه .
صمت قليلا وبدت الجدية على ملامح وجهه ، وتحدث فجأة بالإنجليزية :
- أتساءل كم تعرفين عن الأعراف والتقاليد التى تحكم تربية فتاة مثل كارلوتا .
- سمعت القليل عن طريقة الحياة الأسبانية المحافظة ... وأعرف أن كارلوتا لن يكون لها حرية كبيرة ، بل إن حياتها وصداقاتها ستكون مدبرة وستتقبلها كما هى دون سؤال . .
وأعرف كذلك أن زواجها سيكون مدبرا لها ، بغض النظر عما إذا كان للحب دخل فيه أم لا ... وعليها الطاعة كما كانت دائما .
أنهت حديثها بهدوء دون أن يفارق نظرها القسمات المشدودة العنيدة لهذا الرجل . قال ببرود :
-أنت تفهمين الكثير ... ألا توافقين على طريقة الإسبان المحافظة ؟
- بما أنك سألت سنيور ، فأنا لا أوافق . . فنحن الآن فى القرن العشرين ولم نعد فى العصور الوسطى ... قد يصدمك رأيى بهذا الشأن لكن هذا يرجع لحريتى يا سنيور .
كانت تتكلم بنبرة تحد بالرغم من الجو السلطوى الذى يلوح حوله . . ولم تندم على ما نطقت به ، ولو كلفها هذا عملها ... ثم رأت رفرفة عند زاوية فمه ، وتراجع فى كرسيه إلى الخلف .
-تتحدثين بصراحة يا آنسة تيرانت . . عظيم ، فأنا أفضل الصدق على المداهنة . . برغم أننا لن نتفق فى الرأى أبدا . . أجل ... وبالرغم من الهالة اللندنية حولك ، فقد تمثلين أنت التغيير التى تحتاجه كارلوتا .
- إذن أنت تعترف أنها بحاجة إلى تغيير .
ظهرت النظرة الساخرة مجددا :
- أنا لا أنكر هذا ... وبرغم مظهرنا السلطوى إلا أننا نتفهم الأمور .
- ألا تخشى أن يكون لى . . تأثير ما عليها ؟ قد أثير شهيتها إلى الحرية التى أتمتع بها أنا .
قال بهدوء :
-أبدا . .. بل هناك إمكانية أن تؤثر كارلوتا عليك لدرجة تجعلك تتساءلين عن بعض المفاهيم الخاطئة التى تعتزين بالتمسك بها .
- أبدا !
أشار بيده ساخرا :
لا ؟ أين هو فكركم المنفتح الشهير ؟ عش واترك غيرك يعيش !
لم ترد . .. فتابع :
- سنرى . . مهما اختلفت آراءنا . . والآن يجب أن أسالك بعض من تلك الأسئلة السخيفة . . لماذا تسعين إلى العمل فى الخارج ؟
-لأننى أحب السفر ورؤية الأماكن الغريبة .
-هكذا إذن . .. لكن حب السفر والأماكن الغريبة لا يشابه أبدا تأسيس حياة جديدة هناك ، ولمدة طويلة . . هل منزل عائلتك ترفرف عليه السعادة ؟
- أجل . .. وأنا لا أحاول الهرب من الحياة الأسرية التعيسة إذا كان هذا ما تقصد .
- ألا تحاولين الهرب من شئ آخر ؟
أحمر وجهها :
- لا ! ثم إن حياتى الشخصية ليست من شأنك !
رفع يده :
- لا تحتجى . .. لقد قلت لى ما أردت معرفته .
زمت شفتيها :
-حقا ؟ إذن لست بحاجة لطرح المزيد من الأسئلة عن حياتى الشخصية .
- لديك شهادة جيدة بحسن أخلاقك من رب عملك السابق . . . ولكن لماذا أستقلت فجأة ولأسباب واهية ؟
اجفلت لتغيير موضوع الحديث بسرعة :
- أردت التغيير وهذا هو كل شئ .
انحنى رأسه الأسود الشعر للحظات فوق البطاقة التى أتت بها من مكتب التوظيف . .. ثم رفع رأسه :
- حسن جدا . . لن أضغط على شأن يبدو أنه يؤلمك ، آه . . أجل .
.. يا آنسة تيرانت ، حين تدخل النار على تصرفات امرأة نتأكد حينذاك ان هناك رجل مسئول .فهل أنا على حق ؟
اكتفت غريتا من كلامه ، ووقفت :
- أظن أنه لا شئ لدينا لنناقشه بعد يا سنيور ، أتمنى لك الحظ فى ما تطلب وأنصحك ان تتحلى بالقليل من اللياقة فى المستقبل ، إذا أردت ان تجد فتاة إنكليزية تناسب متطلباتكم . .. نهار سعيد يا سنيور . . أستطيع أن أجد طريقى إلى الخارج .
تركها حتى اقتربت من الباب ، ثم قال بهدوء :
- لحظة واحدة يا آنسة تيرانت . . . أرجوك ان تسمعينى . . أنا اثق ان سمعتكم الوطنية ستجعلك تكفين عن إطلاق الإتهامات جزافا فوق رأسى ، وربما أعترف أن تصرفى مال قليلا نحو قلة اللياقة 0
وقفت حيث هى لحظة ثم عادت ببطء . . . كان واقفا باستقامة مسترخيا قليلا . . ولم يتحرك حتى جلست على حافة المقعد . . فعاد إلى مكانه مسترخيا قليلا ، يتناول علبة سجائر رفيعة محفورة بدقة من جيبه ، وفتحها ليقدمها إليها .
- ليس الآن . .. شكرا لك .
دون كلا ، اقفل العلبة وأعادها إلى جيبه :
-حاولى ألا تكونى منحازة يا آنسة تيرانت . . وتصورى وجة نظرنا . . لو كنت تسعين إلى فتاة بيرونية لمساعدتك على تعليم أختك وشقيقك الأصغر ،ووجدت واحدة تعد بكل شئ ترغبين به ، وجاءت لتسكن منزلك واكتسبت ثقة عائلتك ، ثم غيرت رأيها فجأة وقالت لك إنها ستعود إلى بلادها ، فسوف تثير سخطك . . . أليس كذلك ؟
- طبعا . .. لكن فتاة ذكية لن توقع عقدا قبل أن تكون مستعدة لتفى بشروطه .
رد بهدوء :
- لكن لو أنها قررت السفر لمجرد تغيير المكان بسبب مغامرة رومانسية محطمة . . بالتالى ستكون تصرفاتها غير مضمونة ... الحطام يمكن إصلاحه ونداء القلب قوى جدا . . خاصة قلب الأنثى .
صمت قليلا :
-أنا لا أحاول التطفل على حياتك الخاصة يا سنيوريتا ، بل لمجرد التأكد من عدم وجود رجل يؤمى إليك عبر البحار بعد خمس دقائق من ظننا أن الاتفاق قد تم .
تابع بهدوء :
- صدقينى . .. هذا هو السبب الوحيد لمثل هذه الأسئلة الشخصية . . أليس هذا مفهوما يا سنيوريتا ؟
ابتسم ابتسامة فتنة خاصة ، غيرت تماما قسمات وجهه العنيدة . . كلامه مفهوم ومنطقى تماما .
قالت بصراحة :
- أجل . .. وأؤكد لك
أن قلبى ليس لديه ما يتذكره .
ارتفع حاجباه :
- القول سهل . . فهل أنت واثقة ؟
- واثقة . .. فهل يرضيك أن أقول أن الرجل المعنى بالحديث ليس حرا ؟ ولو أنه حرا ، فلن يختلف الأمر عندى ؟
ساد صمت طويل ، ثم قال :
- عظيم . . والآن . . هناك أشياء يجب توضيحها . . الفيزا ، التلقيح ، الرسميات . ثم هناك مسألة الملابس ... أعتقد أن من الأفضل لو . .
- أرجوك ! يا سنيور ، هل يعنى هذا أنك تعرض على العمل ؟
- طبعا ! وماذا غير هذا ؟ وأظن أنك لا زلت ترغبين فى ذلك
- آه . . أجل . . . لكن ماذا عن السنيورا جورادو ؟ لقد فهمت أنها . .
لوح بيده بضجر :
- لا أهمية لهذا . سأقول لها حين تعود إن كل شئ قد إنتهى ... أخبرينى . . متى تكونين مستعدة للسفر ؟
قاومت ضد الدوار :
-ومتى يطلب منى ان اكون مستعدة ؟
- فى أسرع وقت ممكن . . . الأسبوع القادم إذا تمت الإجراءات المطلوبة0
نظر متسليا إلى تعبير وجهها المندهش ، وأكمل :
- الأمر بسيط للغاية . . . سنقوم بكل الإجراءات الضرورية لرحلتك وستحتاجين إلى مزيد من الملابس المناسبة . . تذكرى أن الطقس عندنا سيبدو لك كالصيف عندكم . .
سادت لحظة صمت وأومأ بسخط معبرا عن عدم قدرته على تحمل الجو الإنكليزى البارد :
-وسيكون هناك إجراءات رسمية ستقدمها سفارتنا . سأدفع لك سلفا الربع الأول من مرتبك السنوى ، إضافة إلى ثمن تذكرة السفر . . ولو أعاقك شئ سوف نتعامل معه .
هزت غريتا راسها لتقنع نفسها أولا انها تستوعب كل شئ . . وتابع :
-بالنسبة لتأشيرة الدخول ، لن يكون هناك صعوبة فى الحصول عليها بسرعة . . وإذا كان هناك أسئلة لم تتمكنى من الإجابة عليها ، احتفظى بهذه ، أظنها ستساعدك .
أخرج بطاقة من محفظته وأعطاها لها بعد أن كتب شيئا ما على ظهرها .
نظرت إلى حروف الاسم البارزة ، ثم أدارتها وشفتيها تنفرجان وهى تقرأ الرسالة التى كتبها : " أرجو تقديم المساعدة اللازمة لحاملتها ،الآنسة غريتا تيرانت " وتحتها توقيع أسود : رامون دوغارسيا أى مونتلباس
ارتبكت غير مصدقة وهى ترفع نظرها إلى العينين السودواين اللتين يلمع فيهما ألف شيطان . .. وقالت ببطء :
-أنت . . أنت الكونت ذاته ؟
أحنى رأسه :
- اغفرى لى فقد نسيت تقديم نفسى إليك حتى هذه المرحلة المتأخرة ... هل أنت مقتنعة الآن أن كل شئ على ما يرام ؟
هزت رأسها ثم فتحت فمها قائلة :
- يبدو لى هذا . أنا . . أتمنى لو كنت أعرف .
-لكنت أقل جرأة فى الكلام ... كما أعتقد ؟
- ربما .
همس لها بنبرة خافتة : او ربما أكثر حذرا ! فجأة اهتزت ثقتها بنفسها ولم تتمالك نفسها فى مواجهة نظرته المقيمة لها .
- لكنني لم أرغب فيها بهذه الطريقة يا سنيوريتا .
ارتخت رموشها كستار حريري وهي تفتح حقيبتها لتضع البطاقة بحذر في جيب داخلي ... ثم أخذت نفسا عميقا ووقفت تحاول الاعتذار لرحيلها:
- هل هناك أي شئ .. ؟
وماتت البداية المعتنى بها وهي تنظر إليه لتلتقى بالنظرة التى أربكت ربأطة جاشها اكثر مما توقعت .
كان قد وقف بدوره جامدا دون حراك , اطراف اصابعه ترتاح على حافة الطاولة ، ولم ترتجف نظرته وهو يقول ببرود : سوف تسامحينى لو قمت ببعض التحريات الشخصية عنك يا سنيوريتا ؟
هزت رأسها بعد أن عجزت عن التخلص من القيد الذى فرضه سحره وشخصيته .
- أنت جريئة بغير تحفظ يا سنيوريتا .. واظنك سريعة الغضب , بطيئة الخضوع , وعنيدة لدرجة مثيرة للسخط .. لكنك تملكين فضيلة الصدق، وهي نادرة بين النساء , ولهذا فقط اتخذت قرارى .. وأرجو ألا اندم عليه.
هذه المرة طال الصمت .... ومرة أخرى أحست غريتا بذلك التقلص الغريب فى معدتها يسلبها قدرتها على الرد كما تريد , واسترسل الكونت قائلا بوقار: والآن ... ستتناولين الشاي معي .


[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:00 pm

الفصل الثاني

عينا الفاتح تراقبانها
أعلن الطيار عن الهبوط , وفتشت غريتا عن القفل الخاص بحزام المقعد.. لم تكن الرابعة والنصف صباحاً هي أفضل ساعة في اليوم كله . فهو أسواء وقت للهبوط في بلد غريب وأرض مجهولة بعد سفر جوي لمدة ليلة.
أمسكت غريتا متاعها الخاص باحكام وحاولت اقناع نفسها أن التقلصات في معدتها سببها الهياج الناتج عن طول فترة الطيران حيث طارت إثنتان وعشرين ساعة دون أن تفعل شيئا سوى التفكير في المستقبل الذي ينتظرها في نهاية الرحلة ودوامة الأسبوع الذي سبقها.
هل انقضت بالفعل عشرة أيام فقط منذ بعد ظهر ذلك اليوم ؟ لدهشتها لم ترى الكونت بعد هذا اللقاء الرسمي المبهج ، والشاي الذي شربته معه . كانت تعليماته دقيقة ومفهومة , ولم تواجه صعوبات في اعدادها لتلك الرحلة .. كان قد اتصل بها في المنزل مرة واحدة بينما كانت قد خرجت تتبضع . فتلقى والدها الرسالة .. وبخيبة أمل لم يطلب ردا أو سؤالا, لذلك لم يكن هناك مبرر للاتصال به. وعرفت أنه سيغادر لندن في اليوم التالي الى مدريد , في طريقه الى جنوب أمريكا.. وخطر ببالها أنها لو كانت مستعدة لسافرت معه إلا إذا كان في رحلة عمل ولم يجد ضرورة لمرافقتها له.
توقعت أن ترتجف بردا حين أن تغادر الطائرة , لكن الجو كان دافئا رطبا وهي تمر بالاجراءات الرسمية . فكرت أن هذا أقل اثارة مما توقعت... أخيرا مرت بضابط الجوازات الذي نظر بدقة إلى أوراقها ومد يده إلى الختم, ثم قطب وتفحص الأوراق مجددا... إرتجف قلبها, ما الأمر؟
-أنت آنسة تيرانت ؟ آنسة غريتا تيرانت؟
-أجل.
نظرالى أوراقها مرة أخرى ثم ختمها بحماس وطوى الجواز.. فشعرت بالارتياح... لكن ليتلاشى مجددا وهو يقف والأوراق في يده ويقول بأدب:
-أيمكن للسنيورا أن تأتي من هنا ..أرجوك.
ماذا الآن؟هل سيتم إحتجازها ؟ وفتح لها بابا جانبيا في الممر وأشار اليها أن تدخل .
كان في الغرفة الصغيرة شخص واحد واقف , وشهقت غريتا : شكرا لله!
ولم تحاول أن تخفي ارتياحها.
اقترب الكونت نحوها:
-هل هناك شيء خاطئ!
-لا..لا... على الأقل أنا....
قال ضابط الجوازات:
-كل شيء على مايرام ياسنيور كونت...أوراق السنيوريتا.
وأعطاها للكونت واستدار إلى الباب , ليفرقع أصابعه ويأتي الحمال بسرعة ليحمل حقائب غريتا...وبرغم احساسها بالتعب شعرت بالإحترام للكونت.
إنحنى الضابط:
-آمل أن تحظى السنيوريتا باقامة طيبة في بلدنا.
ثم عاد إلى عمله.
ابتسم الكونت:
-حسنا.. أنت هنا أخيرا... هل كانت رحلة لطيفة؟
-أجل...شكرا لك.
تلاشت ابتسامته:
-تبدين غير واثقة... هل يقلقك شيء ما؟
-لا..لكنني ظننت أن هناك خطا ما عندما احتفظ الرجل بأوراقي ...و.... لم أتوقع رؤيتك هنا.
ارتفع الحاجبان الأسودان :
-بالتأكيد ياسنيوريتا, هل توقعت أن تصلي الى هنا في مثل هذه الساعة من الليل دون أن يكون في استقبالك أحد حتى يصطحبك إلى الفيلا؟
لم تقل شيئاً ... فجأة شعرت بالتعب وقد انتهى الآن توتر الرحلة الطويلة . نظر اليها ولاحظ ظلالا ليلكية خفيفة تحت عينيها اللوزيتين , وبرقت عيناه البنيتان القاتمتان.
-لاشك أنك متعبة كثيرا بعد هذه الرحلة ... تعالي.
وضع يده تحت مرفقها وأخذ حقيبة الكتف الزرقاء معه مواصلا حديثه:
-سيارتي تنتظر خارجا والرحلة ليست بعيدة.
فيما بعد لم تذكر سوى انطباعا ضبابيا عن الرحلة القصيرة في السيارة في الظلام , وحديقة تفوح منها رائحة الأزهار غير المرئية , وصالون واسع, وجداريات جصة مذهبة , مرايا ضخمة ، درج واسع كأنه المروحة الضخمة العاجية والذهبية , والكونت يوصلها لتكون في رعايةامرأة مسنة وجهها وقور... رفضت المرطبات فأرسلوا لغرفتها صينية حليب وبسكويت ..
حين انسحبت المرأة , استلقت غريتا قليلا تفكر في ظهور الكونت في المطار على غير انتظار , شيء لطيف منه أن يأتي بنفسه ليكون في انتظارها بعد منتصف الليل وقد أراحها ذلك.
هبطت رموشها على خديها , واسترخت قسمات وجهها وارتاحت في الفراش الناعم بأغطيته الحريرية الباردة .. تحركت مرة أو مرتين ترفرف عينيها أمام الضوء القادم من أطراف الستارة ...
وكان عليها أن تتأكد من الوقت الا أنها عادت إلى النوم قبل أن تصل إلى ساعتها , الى أن استيقظت تماما مع احساس مجهول أن أحدا يراقبها.
جلست، فقال صوت صغير بوقار :
-لقد تجاوزت الحادية عشرة بعشرين دقيقة..ألن تستيقظي قريباً؟
طرفت عينا غريتا تحاول رؤية المتحدث في العتمة , تبحث عن مفتاح المصباح الذي لم تعتد على مكانه بعد . ..وواصل الصوت الصغير:
-هل أفتح الستارة ؟ أعرف كيف تعمل.
عثرت على المصباح في الوقت المناسب لترى جسدا صغير الحجم يفتح الستارة.. فجأة انتشرت أشعة الشمس فوق السجادة الزرقاء , واستدار جسم الولد الصغير لينظر اليها بصمت ..ثم قال لها:
-هل يكفي هذا .. أم أرفعها لك ... بوف!
ورفع يديه لأعلى .
-هذا يكفي الآن .. هل قلت ان الساعة تجاوزت الحادية عشرة ؟
هز رأسه وتقدم نحوها:
-هل أنت السنيوريتا الانكليزية التي سافرت كل تلك المسافة من انكلترا بالأمس؟
- أجل.. وأنت؟
-أنا كارلوس. ومد يده:
- كيف حالك ياسنيوريتا تيرانت.
- كيف حالك ياكارلوس ...أشكرك على ايقاظي.
- ألا تمانعين ؟
- أبدا.. سمعا حركة خارج الباب الذي تركه كارلوس مواربا... وصوت منخفض متلهف متساءل :
-أين أنت يا كارلوس ؟ أنت لست..
وساد قليل من الصمت , ثم قرع الباب:
-هل لي أن أدخل؟
ما ان نادت غريتا بالدخول حتى فتح الباب وأطل وجه بيضاوي وسيم يحيط به شعر أسود لامع فاحم , ثم تلاشت الابتسامة المتوترة ليحل مكانها سخط:
- اذن أنت هنا ! انك صبي مزعج وتعرف ما قيل لك. ودخلت الغرفة فتاة فاتنة:
- تعال هنا فورا.. أنت تزعج الآنسة تيرانت , وهي متعبة جدا بعد رحلتها الطويلة.
قالت غريتا بسرعة:
-لاتعنفيه ! لقد آن لي أن أستيقظ , ولولا دخوله..
اقتربت الفتاة:
- لا...لا تنهضي من فراشك , ليس بعد .. يا كارلوس , أذهب وقل لمانويلا .. صينية الفطور ... حالا 0
استجاب كارلوس بنظرة تمرد , واستدارت الفتاة إلى غريتا الناعسة :
- أنا آسفة لأنه أزعجك .. ستتناولين الفطور في السرير هذا الصباح .. انها الأوامر.
ترددت غريتا:
-هل أنت واثقة ؟ جئت إلى هنا لأؤدي عملا لا أن يعتنى بي هكذا ... وكأنني ضيفة عزيزة.
أشارت الفتاة بيديها:
- انها أوامر الكونت ألا يزعجك أحد هذا الصباح حتى تشعري بالراحة الكافية ,على أن يأتيك الفطور إلى غرفتك .. ولكن كارلوس كان مزعجا للغاية وعصي الأوامر.. لذلك يجب أن يعاقب.
- آه.. لا... ليس من أجلي.
خرجت من السرير بسرعة وبحثت عن روبها بين الأغراض التي أخرجتها من الحقيبة , ووضعته عليها:
- أسعدني جدا مجيئه لإيقاظي .. كيف تعمل هذه؟
- سأريك.
عاد كارلوس للظهور واتجه بكبرياء إلى النافذة ليتعامل مع الستارة الملونة.
- شدي بهذا فقط .. هكذا... وهاهي .. بوف
- كارلوس ! تعرف أن هذا محرم عليك . يكفي أنك كسرت الستارة في غرفتك .. الآن تعال ودع سنيوريتا تيرانت في سلام والا ستفكر في العودة الى انكلترا فورا.
خرج كارلوس من الغرفة بجبين مجعد .. وابتسمت لنفسها ، مدركة ان عملها سيكون فيه كل شيء ماعدا الملل.
وصلت مانويلا بصينية الفطور المنسقة وعلى السنيوريتا أن تطلب أي شيء خاص تريد تناوله . أكدت لها غريتا أن كل شيء ممتاز .
وبعد خروج الخادمة الصغيرة جلست لتتمتع بالفخامة التي لم تعتد عليها .. فمنذ سنوات طويلة وهي تأخذ على عاتقها أن تقدم لأمها كل صباح فنجان الشاي منذ أن أصيبت بنوبة إلتهاب الرئتين التي كادت تكلفها حياتها , عندما كانت غريتا في الخامسة عشرة من عمرها.
أفرغت لنفسها فنجاناً آخر من القهوة اللذيذة , وتقدمت إلى الأبواب الزجاجية العريضة وهي تتساءل هل مايزال والدها يذكر التقليد الصباحي مع الشاي . فتحت إحدى نوافذ الباب الزجاجي .. تتنسم أنفاساً عميقة من السعادة للمنظر الرائع أمامها.
كان للغرفة شرفة تقليدية الطراز, تطل على حديقة وكأنها زاوية من جنة عدن .. تحتها مباشرة تراس واسع، وسلالم تؤدي إلى ممر ملتوي بين مروج تحذها شجيرات زهر حمراء , وتعريشات متشابكة..
طافت عيناها وكأنها في حلم من الحديقة المستحمية بأشعة الشمس, وبركة السباحة المليئة بزنابق الماء الضخمة , إلى الأشجار, والشجيرات المزهرة المتوجة بأزهار ذهبية التي تخفي الممر عن الأنظار . وبعيداً نحو اليسار, مزيداً من المروج العشبية وبركة رائعة للسباحة .. واستندت غريتا على سياج الشرفة تتنهد مجدداً ..
تنعم بسعادة صافية من خلال وقوفها على الشرفة بثوب نوم حريري رقيق ونسمات الهواء العليل المعطر تداعب عنقها.
دخلت على مضض ... عليها أن تستحم وترتدي ملابسها ثم تفرغ حقائبها , بعد ذلك ترى كيف توفي إلتزاماتها.
بعد ذلك بساعة تركت غرفتها , وأطلت من فوق درابزين السلم إلى الردهة الكبيرة تحتها . بدت لها مهجورة ، ولا صوت يدل على مكان وجود كارلوتا وكارلوس ..هبطت السلم ببطء ونظرت بتردد إلى صورتها الضائعة في المرآه الضخمة الذهبية .. ثم استدارت نحو باب مزدوج كبير ناحية اليمين ... وطرقته مرتين دون رد.
ففتحته قليلا , فتح دون صوت وتوقفت على عتبته لاتزال مترددة . سألت نفسها هل تعود إلى غرفتها وتنتظر, ثم أحست أن أحداً يراقبها .. إنها المرة الثانية هذا الصباح .. وصاحت بسخط لخيالاتها السخيفة , كانت مراقبة بالفعل لكن بعينين مرسومتين!
على الجدار البعيد من الغرفة نظرت إلى لوحة زيتية كبيرة .. خطت إلى الأمام لتتعرف فوراً على القسمات الأرستقراطية وجذبتها تلك العينين الثاقبتين.
كان الشبه يثير الأعصاب : العينان الدخانيتان ... الأنف الدقيق المعكوف قليلاً ..الفم المتناسق بإصرار حاد .. الخطوط .. الجو الأرستقراطي السلطوي والذي لا يقبل أي إعتراض .. كلها تتطابق مع الكونت .. ماعدا بعض الإختلافات التي واجهت غريتا في أول إنطباع لها عن مدى قوة صاحب الصورة ..
الآن فقط لاحظت اللحية الصغيرة المدببة , الطوق العاجي الملتف حول العنق , ودرع الصدر الفضي يلمع مع أشعة النور، والدانتيل فوق اليد المرتفعة على مقبض السيف ... إنها صورة زيتية لنبيل أرستقراطي رسمت منذ حوالي أربعمائة سنة أو أكثر.
- إذن لقد إكتشفتِ جدي الأكبر.
شهقت غريتا للصوت العميق الذي جاء من فوق كتفها, والتفتت لتلتقي بالعينين السوداوين , وبتأثير الحقيقة القاسية أكثر من اللوحة.
لو لاحظ الكونت فقدانها لرباطة جأشها فهو لم يشر إليه... وقال ببرود:
-هل تجدينه مثيراً للإهتمام.
-أجل .. إنه.. يشبهك كثيراً.
بدت كلماتها ساذجة وتمنت أن تستعيدها ... لكن الكونت أومأ برأسه للخلف ضاحكاً:
- الجميع يذكرون ملامح الشبه في أحيان كثيرة.
نظرت مجدداً نحو الصورة:
-آه... هل لي أن أسأل كيف كان؟
- طبعاً.... فنحن فخورون به كثيراً... لقد خدم مع "بيزارو" وأصبح ضابط أمن .. أحد مؤسسي هذه الأرض كما نعرفها اليوم, أترين...
لامس كتفها بخفة : هذه خوذته وسيفه.
انتبهت للأشياء الأخرى قرب اللوحة : سيف معلق على الجدار, تحت اللوحة على رف من الآبنوس المطعم بالعاج , خوذة مصقولة تزينها نقوش رائعة.. ونظرت إلى العينين السوداوين للكونت:
- هل كان أحد الغزاة الفاتحين0
هز الكونت رأسه.
مدت يدها تتلمس حافة الخوذة.. ثم قالت بهدوء:
- في أول الأمر كان هناك القليل منهم . أليس كذلك؟ لقد رسم بيزارو خطاً فوق الرمل بسيفه على شاطىء جزيرة "غالو"وتحدى رجاله أن يعبروه .. وهكذا زحفوا حتى إمبراطورية "الأنكا" كانوا حفنة صغيرة من الجنود ومع ذلك إحتلوها .
-أقل من عشرين رجلاً عبروا الخط , ليغامروا في منطقة مجهولة يواجهون المرض والمخاطر لإكتشاف أرض الثروات التي كان بيزارو قد آمن بوجودها .. حين نجح أخيراً في التغلب على المعارضة , والحصول على الإمداد بالجنود , كانت القوة أقل من مائتي جندي مر بهم قوة امبراطورية الأنكا وضم البيرو إلى إسبانيا.
التفت الكونت وهو ينهي حديثه , وسحب السيف من على الجدار ثم ناولها إياه كي تتفحصه وتتحسس نصله بيدها.
وهو يرفع رأسه ينظر إليها إرتجفت ... تحت هذه الواجهة المتمدنة للقرن العشرين , يجري دم الغزاة الناري وعجرفة إرثه..
وصمتت غريتا.. قصص الفاتحين تشبه الأساطير... بقسوتهم التي لاترحم قهروا كل مقاومة وحصلوا على كل شيء, سواء كان الذهب أو المحاصيل أو حتى الحياة نفسها.
قال:
- ألاتهتمين يا سنيوريتا بالإقتراب من هذه الأسلحة؟
- طالما لم تلوثها الدماء... ياسنيور الكونت.
أعاد السيف إلى مكانه :
- التاريخ مفعم بالدماء .. ولا يستطيع أحد الهرب من ذلك. إلى أي مدى تعرفين تاريخنا ياسنيوريتا؟
أعرف مايكفي بشأن بيزارو وجنوده الذين إغتصبوا هذه الأرض وأخضعوا شعبها الشجاع برغم حضارته.
- واستعبدوا الكثير من الناس , فقد كانت حضارتهم تحفل بالقسوة الرهيبة التي لايمكن تحمل التفكير بها.
رفضت التراجع بفزع :
- في المكسيك , هذا صحيح .. فلقد مارس شعب "الأوزتيك" ديانة سيئة.. لكن شعب الأنكا كان له حكام تميزوا بالعدل والحكمة حتى مع القبائل التي كانوا يخضعونها.
- ليس دائماً.. كانوا يسلبونهم , يستعبدونهم, ويستولون على ممتلكاتهم.
- لكن يجب أن يكون هناك نظام في كل المجتمعات المحكومة.
هز رأسه بوقار:
- صحيح.
-إذن ، فقد هدمتم طرقاتهم ودمرتم معابدهم , وتلك أشياء رائعة لايمكن بنائها من جديد ... فلماذا ؟ لماذا يسلب الفاتح وينهب ويدمر؟ ألا يكفيه الإنتصار فحسب؟
رد بنعومة دون أن يتأثر بهجومها عليه :
- وهل تشعرين بالإشمئزاز من خطايا أسلافي, ياسنيوريتا ؟ وهل تشعرين بذات الإشمئزاز من خطايا أجدادك ؟ أم أن ذلك أمر مختلف ؟
- نعم , ولا... فقد فعلنا أشياء كثيرة لا نفخر بها... وندرك أيضاً مساوىء ثورتنا الصناعية الرهيبة , لكن نحاول إصلاحها.. فقد عبدنا الطرق , ولم يتم تدميرها.. وجعلنا الطب والدواء في خدمة المحتاجين ... وحاولنا حماية الأقليات.
- آه .. أجل . حب الإنسانية ولو كانت مضللة أكثر الأوقات... يجب أن يكون بيننا المزيد من النقاش حول آثام أسلافي المشاهير . وسوف أصطحبك لزيارة ضريح بيزارو, هناك لوح تذكاري حفر عليه أسماء الغزاة الأوائل , لكن علينا في الوقت الحاضر أن نهتم بأمور أكثر الدنيا.
تذكرت أنها هنا منذ خمس دقائق فقط وبرغم هذا فها هي تلقي محاضرة على رب عملها حول آثام آبائه!
آه ...أجل ... أجل سنيور . كنت أسعى لشخص أسأله عن واجباتي . هز رأسه يلامس جرساً :
- أرجوك إجلسي يا سنيوريتا .. هل ترغبين القهوة ؟ أم تفضلين شيئاً بارداً؟ -القهوة ... أرجوك.
حين وصلت القهوة , نظر الكونت إلى رسالة أتته بها الخادمة ثم وضعها وأسند ظهره إلى الخلف في مقعده , ووضع ساقاَ فوق الأخرى ليحدق في وجه غريتا بإمعان .
- لاشيء يستوجب مناقشته يا سنيوريتا.. كارلوس مع أستاذه الخاص كل صباح , وهذا روتين لا أرغب في تغييره ... ثلاث مرات في الأسبوع , بعد الظهر دروس في الموسيقى والحساب واللغة الفرنسية . معظم الأيام يمتطي جواده في الصباح..
وهذا يشغل معظم الوقت ... وأريده قضاء بعد ظهر الأيام الأخرى , بعد "السياستا"أي قيلولته طبعاً , في ساعات فراغه معك , وأظن هذا سيحسن حديثه بالإنجليزية.
صمت الكونت قليلاً وأطرق يفكر ثم قال:
- سيكون إهتمامك بإبنة أخي أساساً.
هزت غريتا رأسها تتذكر مناقشتهما الأصلية : هل أنهت دراستها ياسنيور؟
- كانت في عامها الدراسي الأخير حين قُتلت أختي وصهري في حادث مأساوي .. كنت أخطط لإرسالها هذه السنة إلى أوروبا لتستقر في سويسرا في مدرسة لتأهيل البنات .. لكنها خشيت السفر بعيداً عنا حتى أننا تخلينا عن فكرة السفر مؤقتاً,
ولذلك أنت هنا الآن .عاد للصمت وقطب حاجبيه :
- هناك نقطة واحدة ينبغي التركيز عليها ... نسيت إذا كنت قد ذكرتها لكِ أم لا..إن كارلوتا وريثة ثروة أمها الشخصية ... حين تبلغ الواحدة والعشرين ستكون إمـرأة ثرية جداً... وأنت ياسنيوريتا ستلعبين دور مرافقتها وعلى هذا الأساس يجب أن تتعاملي معها.
لابد أن غريتا أظهرت حيرتها لأنه واصل بحزم:
- عليك بالتحفظ , وخلال خروجكما سوياً لاتدعيها تعقد صداقات غير مرغوب فيها ... هل هذا واضح؟
-آه.. أجل.. سنيور.. أنت تعني أننا يجب أن لا نلتقط شباناً غرباء أثناء مرافقتي لها. زم شفتيه تبرماً:
- يا لهذا التعبير ! نلتقط .. لكنك فهمت مقصدي.
تراجع رأسه إلى الوراء يفكر فيها:
- كذلك... أنت أيضاً عليك بالحذر ألا "تلتقطي" أي شاب غريب في أي مناسبة , وأنت معنا.
أرتجف فمها :
- نعم يا سنيور.
وضع إصبعه على ذقنه :
- لا أرى صعوبات أخرى ... لو واجهتك أي مشاكل أخبريني .. أنا دون غيري حيث أن جدتهما غائبة في الوقت الحالي , وأنا لا أريد من الدونا إيزابيلا أن تقلق فهي في حالة صحية غير جيدة. هل هناك شيء آخر ترغبين بمعرفته؟
- لا أظن هذا.
- حسناً .. أرجو أن تكوني سعيدة معنا ياسنيوريتا.
- شكراً لك سنيور كونت.. أنا واثقة أنني سأكون سعيدة .. وأرجو أن يكون ولدا أختك سعيدين معي.
أحنى رأسه تحية ووقف.. واضح أن المقابلة إنتهت ... وتحرك نحو الباب ثم توقف:
- هناك فقط نقطة صغيرة أخرى، ياسنيوريتا..
انتصبت بغير حذر للحظات , وابتسمت :
- نعم ياسنيور؟
- إنها مسألة ظهورك على الشرفة.
تلاشت إبتسامتها:
- أرجوعفوك؟
- يؤسفني أن شرفتك لاتوفر لك الخلوة التامة ... وأرجو عفوك لتذكيرك بطريقة غير لبقة هكذا.
تذكرت ماغاب عن بالها , وتدفق اللون الأحمر إلى خديها :
- آه ! هذا الصباح ... ما كنت أظن ...آه ..لا ... ياسنيور ! لم يخطر ببالي أن ...
- أنك مراقبة؟
أحست بإمتقاع وجهها :
- لا..أنا آسفة.. أفهم إعتراضك تماماً .. لقد نسيت أن هنا..
رفع يده:
- أرجوك, لا تعتذري .. وكلمة الإعتراض كلمة خشنة ... خاصة في هذا المجال ياسنيوريتا .. أنا شخصياً أعتبر أن فرحك بالصباح أكثر فتنة من أن تخفيه.. لكنها فتنة على أي حال أفضل أن تخفى عن كل أفراد منزلي .. موافقة؟
- تماماً ياسنيور كونت.
لن يخفى على أحد ذلك اللمعان الماكر في عينيه , رغم تجهم وجهه .. وعندما أدركت مغزى ملاحظاته كاملة ، أصبح لونها قرمزياً.
فتح الباب فسارعت إلى الخارج بإرتباك.
لن تنسى أبداً ولمدة طويلة عيني الفاتح الغازي ... ولكن في هذه المرة لم تكونا مرسومتين !


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:01 pm

الفصل الثالث

مبارزة بالسيف
لم تدر غريتا ان كانت شاكرة ام اسفة حين ابعد العمل الكونت عن المنزل ذلك اليوم وابقاءه بعيدا حوالي اسبوع... عندما اكتشفت غيابه احست فجاة احساسا مزعجا يدركه سباح مبتدئ عندما يلقى في بركة عميقة
من ناحية اخرى لم تندم على هذه الفرصة القصيرة كي تتعايش مع مجتمعها الجديد
برغم انها عوملت باحترام شديد من العائلة والخدم على حد سواء فقد احست بانها غريبة عندما كانت تواجه الرسميات المتباعدة وسرعة التأثر العاطفي التي بدا انها تلون طباع اللاتين....ارض البيرو الاستوائية سحرتها..وبرغم خجلها في البدايه لكنها سرعان ما اكتشفت ان الابتسامة طلسم يفتح كل شئ وان ليما مدينة جذابة معتنى بها جيدا وسكانها يتميزون بالود تجاة الغرباء المتواجدين بينهم
لكن في (الكوينتا)او الفيلا كان الامر مختلفا كارلوس وكارليتا بدوا في افضل تصرفاتهما كما تلقيا التعليمات من الكونت نفسه اومن خالتهما الكبيره دونا ايزابيلا التي كانت تعاني من الرومانيزم عندما وصلت غريتا وتظل دائما ملازمه لجناحها
انقضت عدت ايام قبل ان تستدعي غريتا لتقدم نفسها الى الدونا ايزابيلا.... ادركت سلفا رهبه الوالدين من خالتهما الكبيره فاستعدت وتوجهت للقاء المتسلطة لتكتشف سيده عجوز ضعيفة صغيرة الجسم جمالها الانيق واخلاقها الهادئة يسلبان الب
بالرغم من هذا كان الاستجواب شاملا وجلست دونا ايزابيلا منتصبه جسد صغير صلب في مقعد مرتفع الظهر
من خشب الابنوس المحفور وطوق فضي ناعم الزخرفة على عنقها شعرها الابيض ممشط باتقان.... عيناها السوداوان اكتسبا مكر السنوات دون ان تفقد النار في جمالهما الشاب...في البداية شجعت غريتا على التفوه بانطباعاتها عن مجتمعهما الجديد ثم استفسرت عن موطنها وعائلتها في انكلترا....ورات الصور التي احضرتها غريتا معها ولاذت بالصمت لحظات بعد ان اعادتها اليها...
اخير قالت :اجل..اظن ان ابن اختي قد احسن الاختيار كنت اشك في هذا عندما علمت بصغر سنك...اه...اجل انت صغيرة جدا بالكاد تكبرين ابنة اختي الصغيره بعامين...لكن سنتان في سن الشباب لهما تاثير كما في
سن الكبر...وانا واثقه انك ستستغلين ذلك بحكمة ولن تسمحي لها بان تتجاوز النظام.
قالت غريتا بجدية
-ساحاول هذا...لكنني امل ان اكون صديقة لها ايضا
هزت دونا ايزابيلا راسها:انا واثقة انها ستفعل...لكن هناك شئ اريد ان اذكره ويتعلق بك .
ارتجفت غريتا تتساءل ما اذا كان ماتراه في العينين السوداوين الماكرتين هو انذار ما
-قد تجدين عاداتنا غريبة...وقد تواجهين متاعب لا تتوقعينها .لو حدث ذلك تذكري اننا سنحاول تفهم الامر وتقديم النصيحة...نحن نتمنى لك السعادة والقناعة هنا .
- انا واثقه من هذا...شكرا لك...انت لطيفه جدا
باندفاع تقدمت غريتا لتقبل خد دونا ايزابيلا الرقيق.. وهي تستقيم كانت تتساءل عما اذا كانت ازعجتها بمثل هذه الحركه لكنها لمحت في عينيها بريق التسليه ثم ابتسمت قائله:ارجو الا اذكرك بالحذر عند توزيع اشارتك الانجليزية العفوية لان شبابنا ليس معتادا على تلقيها من فتاة عدا افراد العائلة وطبعا العجائز امثالي
لم تستطيع غريتا كبت ابتسامة..كان لديها الاحساس انها ستحب دونا ايزابيلا كثيرا....وقالت بوقار قدر استطاعتها :ساتذكر هذا التحذير يادونا ايزابيلا
تلاشى اللمعان من عينيها وتنهدت:سامحيني ياعزيزتي على هذا الانذار الذي في محلة...لكن..الازمنة تتغير حتى هنا..المقاييس القديمة تتلاشى والتقاليد تصبح شيئا يتفوه بها الانسان لكنه لا يعها دائما.. ..لذلك اتساءل احيانا ....
صمتت مع طرقات خفيفة على الباب وفتح فورا ودخلت فتاة طويلة القامة ورمقت غريتا بنظره ثم تقدمت في الغرفة
من الطبيعي الانشداد الى ملامح تلك الفتاة... جمالها الاسمر الصارخ كان مؤثرا بشرتها الناعمة كانها الساتان العنبري امام فستان ابيض حريري يداعب جسدها المتناسق الجميل..كان حولها هالة نبل ويبدو انها من المقربات للدونا ايزابيلا وقد لاحظت غريتا سعادتها
تراجعت غريتا قليلا الى ان تتمكن من الخروج بادب لكن دونا ايزابيلا استدارت واشارت بيدها تنقل بصرها بين الفتاتين:استريلا...انت لم تلتقي بعد الانسه تيرانت.... اليس كذلك؟لقد جاءت من انكلترا لتساعد الولدين
في دراستهما...غريتا هذه سنيوريتا بيلار الابنه الصغرى لاعز صديقة عندي
لامست اصابع طويلة باردة نحيلة اصابع غريتا وابتعدت..... وقامت العينان السوداوان بتقييم الهادئة الشقراء بفستانها الازرق...ثم استدارت الى دونا ايزابيلا تبتسم بشئ من التنازل ا للطيف:اجل..لقد اخبرتني تيريستا ان الكونت قرر ان يختار بنفسه وكانت قلقة لهذا0
صمتت قليلا ثم هزت كتفيها بعدم اكتراث :لكن يجب ان اعترف ان لهجة الانسة تيرانت ممتازة...كل ما ارجوه ان لا تؤثر على كارلوتا فتزيد من غبائها000 اتعرفين لقد رايتها تركب جوادها وحدها مع ميغيل في الاسبوع الماضي....... لا اصدق ان هذا كان بموافقة الكونت .
دهشت دونا ايزابيلا:صحيح ؟هل انت واثقة من هذا طفلتي؟
-متاكدة من احدا منهما لم يرني...ان الاوان لتدرك كارلوتا انها لم تعد طفلة والا يسئ ميغيل استخدام مركزة هنا
هزت دونا ايزابيلا راسها:لم يكن لدي فكرة ان ابنة اختي لديها عادة ان تركب الجياد وحدها مع سكرتير ابن اختي
ضاق حاجباها فوق عينين متهمتين ادارتهما نحو غريتا:هل هذا صحيح؟
ردت بشئ من الارتباك:لست ادري ولا اعرف من هو ميغيل
-بالطبع لا تعرفينه.... وكيف يمكن ان تعرفيه؟لم تتح لك الفرصة بعد للقاء الشاب الذي نتحدث عنه فهو شاب جذاب للغاية لكن...
قطبت دونا ايزابيلا ثانيه وضربت اصابعها النحيلة على عكازها
-سوف نتحدث في هذا الشان فيما بعد حين يعود ابن اختي
والان اخبريني يا عزيزتي لماذا جئت الى هنا اليوم؟
-لاسالك عن موعد عوده رامون فلم نكن نعرف انه سيبقى بعيدا لوقت طويل..اسبوع تقريبا تعرفين ان تريستا عادت بالامس من مدريد....وهي لاتزال حزينة نحن نامل ان ترتفع معنوياتها نتيجة الاحتفال المقدر في نهاية هذا الاسبوع..ستاتون جميعا كما اظن.هل استعدت عافيتك يا دونا ايزابيلا؟
-ولماذا تظنين اذن انني اعتنيت بهذا المرض اللعين لما يقرب الاسبوعين ؟حتى لا اظل تحت رحمته في نهاية الاسبوع..بالتاكيد ساكون معكم... لكنني اتحدث عن نفسي وبشان رامون لا استطيع ان
اقول شيئا عزيزتي...من يستطيع؟
فكرت غريتا بشغف:اجل من يستطيع؟
كانت قد انسحبت لتترك دونا ايزابيلا وزائرتها الصغيرة في جدال عنيف حول الحفلة القائمة في مزرعة بيلار والتي دعي اليها حوالي اربعين مدعوا....ومن المتوقع ان تكون الحفلة رائعة بالرغم ان الكونت قد لا يستطيع العودة في الوقت المناسب لحضورها...لكنه سيحضر غريتا كانت واثقة من هذا الا اذا كان منيعا ضد نيران الهجوم الانثوي.... فمن الطريقة التي تكلمت بها استريلا بدا وجودة اساسي لتتم سعادة تيرستا وتستمتع بالحفلة
لاشك ان هذه هي سنيوريتا جورادو التي كان تجري المقابلات في لندن..فقد اشار الكونت الى من تدعى تيرستا عندما اجرى المقابلة بنفسه..اذن تيريستا ارمله شابة ولقد حان موعد انتهاء فتره الحداد....شقيقتها استريلا قلقة على سعادتها لكنها لم تكن قلقة على كارلوتا...
خرجت غريتا الى الشرفة وقد احست ان حديث استريلا للدونا ايزابيلا فيه شئ من الحقد على ابنة اختها الصغيرة
كانت كارلوتا لاتزال تقرا عند بركة السباحة حيث تركتها غريتا منذ ساعة حين استدعتها الدونا ايزابيلا...بدت يافعة وضعيفة معرضة لكل انواع الاخطار اثناء جلوسها هناك
جسد نحيل صغير في ثوب ابيض ينحني راسها الاسود الشعر فوق كتاب وقفت غريتا وعيناها تتساءلان ماذا تنوي كارلوتا؟فهي لم تذكر ابدا اسم ميغيل مع انها اشارت بلا مبالاة لبراعتة في السباحة عندما سبحت اول مرة مع غريتا في البركة واضح ان ميغيل هذا هو احد افراد المنزل.... وهو ايضا ليس بالرفيق المناسب ليمتطي الجياد مع كارلوتا.... حسب الاعراف الاسبانية!
هزت غريتا كتفيها ونظرت الى ساعتها..لقد حان وقت ايقاظ كارلوس من قيلولته
دخلت المنزل مرة ثانية وهي تبتسم...خلال ايام الاولى من حياتها الجديدة اكتشفت ان وقت الراحة اطول وان اوقات الطعام مختلفة...الان هو وقت الدرس لكارلوس وحتى السادسة والنصف حيث يتناول شراب شوكولا قبل ان يعود الى النوم
- كارلوس..حان وقت...
وتوقفت عند الباب..لم يكن كارلوس هناك ...لاتزال اثار نومه فوق السرير...بينما الستار المعدنية مفتوحة جزئيا
اسدلتها غريتا حتى عادت الى طبيعتها ثم التقطت منشفة واعادتها الى
مكانها واحكمت اغلاق صنبور الماء الذي يتساقط منه قطرات فوق المغسلة وخرجت تبحث عنه
وضعت كارلوتا الكتاب الذي في يدها وتنهدت:لا....لم اره.اخشى ان يكون ابتهاجة بك قد تلاشى الان بعد ان اعتاد عليك...
ابتسمت غريتا:اتعنين انه عاد الى طبيعته وانه احسن صنيعا في تصرفه لخمسة ايام وان هذا وقت طويل بالنسبة لصبي في السادسة؟
تنهدت كارلوتا مجددا:تعالي وانا اساعدك في البحث عنه.. ..لابد انه في الاسطبل او الكوخ الصغير الذي يوجد فيه محرك للنوافير او في مكتبة الكونت تلك هي الاماكن المحرمة عليه
كان كوخ المضخات الصغير فارغا,..عندئذ التفتت كارلوتا الى غريتا
-سوف اذهب لابحث عنه في الاسطبل بينما تبحثين انت في المكتبة
ترددت غريتا ..الاسطبل وركوب الخيل؟ حتى تذكرت غياب الكونت وسكرتيره
-حسنا .... سالقاك عند البركة
دخلت المنزل ولم تلقى احد ..بل سمعت فقط اصوات الخدم يتابعون اعمالهم..بدا كل شئ صامتا عندما اقتربت من المكتبة...لكن الباب المزدوج كان ثقيلا صلبا يمنع خروج أي صوت.فتحته لتستقبل شهقة حادة فيها احساس بالذنب
يبدو كارلوس كان مختفيا وتقدمت الى الداخل باصرار
-هيا اخرج.استطيع ان اراك ياكارلوس
خرج بهدوء من وراء كرسي مرتفع محفور فنظرت غريتا اليه بضيق كان يضع خوذه الفاتح على راسه الصغير تكاد تخفي عينيه والسيف يلمع بين يدين اكثر صغرا من ان تمسكاة بقوة وامان
-كارلوس ..انت جندي رائع لكنك في حاجة ماسة الى النظام.. ..ضع هذه مكانها فورا
مضت لحظه تردد ثم برق الاذى في عينيه:لا فانا القائد ولسوف القي القبض عليك .اجل ستكونين سجينتي يا سنيوريتا غريتا...
-لا ايها اللعين!
ورمت بنفسها نحوه وادركت انها مخطئة..وهذا هو مايريده
بصيحه انتصار ابتعد .... صبي صغير يتحداها ان تلحق به انه سريع رشيق وذكي...توقفت غريتا مذعوره ان يسقط ويؤذيه النصل..
وقالت بهدوء قدر استطاعتها:ماذا سيقول خالك لو راك هكذا
تجول كارلوس كانه فارس منتصر في الغرفه وهو يقول لاشئ....لانه
ليس هنا
لكن الخوذه غدرت به وهبطت الى الامام لتغشي ببصره..فتوقف ليعدل من وضعها على راسه...عندئذ سارعت غريتا الى السيف وكل همها ان تعيده حيث كان بعيدا عنه
لم تكن سرعتها كافيه فقد امسك كارلوس به في ذات اللحظة واحست غريتا بالم حاد في ذراعها.فصاحت لا اراديا ووقع السيف على الارض ورات الدم ينزف من ساعدها نظر كارلوس اليها بسكون وغطت الجرح بيدها الاخرى..ثم هزت راسها له فبدا الفزع على وجهه الصغير المختفي تحت الخوذة وهمس
-كانت لعبة جيدة..اجل؟
ابتسمت بجفاف:اجل يا تلميذي الصغير.... ولقد ربحت وانا استسلم الان من الافضل التوقف عن اللعب واعاده السيف حيث كان
انحنت تلتقطه وتراجع الصبي خطوة:هل جرحت..حقا؟
-اجل حقا
احست بالفولاذ باردا بين يديها والمها الجرح لكنها حاولت تجاهل الالم وادركت ان كارلوس كان يتارجح ما بين الذعر والذنب وان الغلطة لم تكن غلطته تمام
-هيا الان...اخلع الخوذه كي نذهب الى كارلوتا لتودي دور الممرضة وتضمد لي ساعدي
لكنه لم يضحك بل تقدم اليها يمسك معصمها باصابع قوية وعيناه متسعتان... ثم همس:لكنني لم اطعنك حقا؟هذا ليس دما حقيقا
-انه دم بكل تاكيد
اجفل الرد البارد غريتا بشده..لكن الغضب هذا لايقارن بتاثيره على كارلوس فرفع راسه يحدق في الوجه الغاضب الذي لم يسمعه لا هو ولا غريتا يدخل .. وتراجع خائفا..
-تيو!ماكنت اعرف ولم اقصد
قال الكونت ببرود:ساسمع شرحك فيما بعد...ارسل مانويلا الى هنا ثم اذهب الى غرفتك
انكمش الفاتح الصغير وهرب فاستدار الكونت الى غريتا
كانت تحاول الوصول الى الخطاف الذي يعلق السيف عليه
وبضجر اخذ السيف منها وغطى الجرح بيده الاخرى.... وسال:كيف حدث هذا؟
-مجرد حادث ..وانا اااسفة..لكن ارجوك لا تلم....
اخضعتها النظرة الطويلة من عينيه السوداوين مثلما اخضعت كارلوس..كان يمسك بمعصمها يمسح الدم بمنديل ابيض ثم يفحصه عابسا
احست بحراره مفاجئة وقالت:انه مجرد خدش ارجوك لا تقلق عليه..سوف..
قال متجهما:ساسمع تفسيرك فيما بعد ....بعد ان..اه ..مانويلا..
اسرعت الخادمة الصغيرة الى الغرفة تجفف يديها بمريلتها وقالت بلهفه:نعم سنيور؟لم نسمع بوصولك ياسنيور...نحن..اوه!
رات السيف ملقى على السجادة العاجية اللون والمنديل الملطخ
بالدم ووجه غريتا المحمر.فرفعت يديها الى السماء وتمتمت بكلمات اسبانية سريعة
-كفى عن هذا..وانسي الامر.وهيا اعدي للسنيوريتا كوب شاي انكليزي... على الفور!
وادار ظهره الى مانويلا التي لوحت بيديها بجنون ثم ربط المنديل حول الجرح وقاد غريتا بحزم نحو الباب
ادركت ان الجدال لن يجدي فخضعت لقيادته لها نحو غرفة صغيرة قرب باب الشرفة وهناك اجبرها على الجلوس بينما سكب الماء فوق المغسلة واخذ منشفة نظيفة من خزانة وهو لايزال متجهما بغضب وانهمك في تطهير الجرح ثم وضع لها قطعه قماش مليئة بالمواد المطهرة
ارتجفت الما لحريق المطهر المفاجئ فاشتدت اصابعه حول معصمها بلمسة حانية حتى تلاشى الحريق...بالرغم من هذا احست بدفء غريب يتدفق في شراينها...وقلبها ينبض بسرعة
ربط لها الجرح بقماش معقم عندئذ هزت راسها كانها تحاول كسر طلسم الفتنة وقالت مترددة:انه مجرد خدش..ولاداعي للقلق
-انه خدش عميق لدرجة يشوة ساعدك ويلطخ فستانك بالدم... . ثم لماذا لا انزعج؟
بدات تفقد سيطرتها على نفسها: حسنا..انه...لست ادري..لم اتوقع حدوث هذا..انا..
وصمتت مجددا وقد احست انها تقول اشياء خاطئة..رفعت نظرها اليه واحست بصراحتها القديمة ترجع اليها:انت لطيف جدا...كنت اتوقع ان اقوم بواجباتي...وان اعتني بنفسي..حين تحدث اشياء صغيرة كهذه...لكنك انت دائما هكذا
مزق طرف الرباط ثم ربطة:ماذا تعنين..بانني دائما هكذا
مزق طرف الرباط ثم ربطة:ماذا تعنين..بانني دائما هكذا
-حسنا .ودود..حنون وكأن هذا حدث في بيتي فقد كان والدي يثور دائما عندما كنت اقع على الارض واوذي نفسي..وانا طفلة صغيرة..
وصمتت فقد وقف يستند الى الرف الرخامي الاخضر كان من الصعب استطلاع ملامح وجهه وقال :
-كنت غير واثقة ما اذا كنا سنعاملك كخادمة او تشاركينا جو الاسرة؟
-شئ كهذا
-واصابتك الدهشة الان لانك لاحظت اننا لا نختلف كما توقعت؟في الواقع لا زلنا متمسكين بالروابط الاسرية المتينة اكثر مما في بلادكم
لم ترد...فلمعت عيناه وقال ساخرا
-اظن انك مندهشة... وانا مسرور لانك ادركت ان لنا قلوب مثل كل الناس.لكن اخشى ان لا اشعر بالابوة فيما فعلته لك
احمر وجه غريتا...ووقفت تعرف انها ستتعثر في كل ما ستقوله
-شكرا لك...للعلاج الاولى و...ارجوك لا تلم كارلوس..لم تكن غلطته0
فتح الباب :لا..؟اعرف ابن اختي الصغير...وهو يعرف ايضا انه من غير المسموح الدخول الى غرفتي الخاصة
-اجل...وكان يجب ان امنعة....لكنني كنت مع خالتك واستيقظ قبل ان...
قاطعها بحزم:لا داعي لاي تفسير اخر اذهبي لتناول الشاي لا بد ان مانويلا قد اعدته الان
-اجل
لكنها ترددت عند اسفل السلم :لكنك لن تعاقب كارلوس بسبب..؟
-بسببك؟
هزت راسها بالايجاب فارتفع حاجباه:اذا كنت سامحته فيجب ان اسامحة انا كذلك... لان الجرح المك انت
ابتسمت له:شكرا لك
في تلك اللحظة دخلت الخادمة الصغيرة تحمل صينية الشاي وتنهدت غريتا واستدارت على مضض لتواجه استريلا وجها لوجه
بدت الفتاة الاسبانية حائرة وتملكها الاحباط ثم ضحكت:
جعلتني تلك الفتاة الغبية ظن انك في خطر وانك تنزفين حتى الموت فماذا حدث؟
لاحت ابتسامة على فم الكونت وهز راسه :لاشئ ابدا...سوى مبازرة بالسيف بين الانسة تيرانت واحد الغزاة وخرجت خاسرة اليس كذلك انسة تيرانت؟
ردت له الابتسامة :هذا صحيح ..واظن ان حظي سيكون اوفر في المرة
القادمة يا سنيور
احنى راسه ساخرا:حتى المرة القادمة يا سنيوريتا
استدارت ولاحظت التجهم في تعبيرات وجه استريلا بيلار بل الواقع انه استقر على وجهها تعبير كراهية واضح
دهشت غريتا في الصباح التالي لاستدعائها للرد على مخابرة هاتفية ووجهت لها استريلا تحية بصوت عذب..وزادت دهشتها عندما دعتها بعد مقدمة قصيرة مهذبة للانضمام الى الحفلة في المزرعة وقالت برقة
-اعذريني على هذه الطريقة غير الرسمية للدعوة...لكن لانك انكليزية فلن تمانعي انا واثقة..اليس كذلك؟
قالت غريتا بشئ من الحذر:لكن ينبغي ان اعرف اذا كان لدي عطله نهايه الاسبوع قبل قبول دعوتك
-لقد دبرت لك الامر ..تحدثت الى الدونا ايزابيلا وتركت لك امر القبول او الرفض
فكرت غريتا بسرعة ثم قررت:شكرا ..يسرني قبول دعوتك
-اذن ساتطلع شوقا الى تاكيد معرفتنا لبعضنا...وداعا انسة تيرانت
عادت غريتا الى البركة وهي غارقة في التفكير واخبرت كارلوتا بامر الدعوه..فقالت كارلوتا:انا مسروره لذلك..كنت ستشعرين بالوحدة لو بقيت وحدك..مع انني اعتقد ان تيو غير راية في مسالة الذهاب..لان زميلة في العمل سيصل ليما يوم السبت في عمل طارئ ويجب ان يقابلة
اذا لن يكون الكونت في الهاسيندرا...لكن من الغباء التفكير بهذا الامر ....صرفت التفكير في الكونت عندما بدات كارلوتا الحديث وقالت باستغراب:هل قلت انك لا تودين الذهاب ياكارلوتا؟
هزت الفتاه راسها ولاحظت غريتا انها لاتزال تبدو مقهورة كما كانت في اليومين الماضيين..وترددت تحس بان شيئا يقلق كارلوتا واردت التخفيف عنها لكنها كانت تعي ان صداقتهما لا زالت غضة وان هناك شئ من تحفظ بينهما...قالت بخفة:ابتهجي ياكارلوتا.... لا شك انها ستكون مناسبة مبهجة
-انا لا احب استريلا.. ولاحفلاتهم..لازالوا يعاملونني كطفلة برغم انني في السابعة عشر من عمري..وهذا امر سخيف
فكرت غريتا وهي تنظر الى الوجة البيضاوي الجميل..انها ترى بوضوح وجهتي النظر.. في بعض الاوقات تبدو كارلوتا مشرقة ببريق من النضج وفي اوقات اخرى تستعيد طفولتها التي تركتها وراءها منذ وقت قريب جدا...لكن لو فكرت باستريلا فمن اليسير ان تتصورها وقد ارهبتها الفتاة
الاكبر سنا والاكثر سيطرة...وليست المرة الاولى التي تتذكر فيها غريتا ذلك الحديث الذي دار عند دونا ايزابيلا في اليوم السابق...ربما كانت كراهية كارلوتا لاستريلا لها اساس.. واندفعت الى القول:انها متلهفة لمقابلة ميغيل:متى سيعود؟
انتصبت كارلوتا ولامست اوراق زهرة:يجب ان يعود اليوم تيو ارسلة الى هوارويا حيث مزرعة البن
-هل انت دائما تخرجين معه للتنزة؟
اعطى رد الفعل التلقائي غريتا الرد قبل ان تجيب الفتاة..استدارت كارلوتا وعلى خديها وردتين ثم شهقت قائلة:وكيف عرفت؟
اخبرتها غريتا بطريقة لطيفة واسترسلت:منذ امس وانا اريد تحذيرك لكنني خشيت ان تظني انني استجوبك
قالت كارلوتا بمرارة:لست ادري كيف عرفت....التقينا وحدنا ثلاث مرات فقط وبعيدا عن العيون المتطفلة
ضمت كارلوتا يديها النحيلتين معا وزمت شفتيها بقوة
-ماذا سنفعل؟ستقولى للكونت وسيبعد ميغيل..اعرف انه سيفعل يجب ان نفكر في شئ ما يجب ان نقول اننا التقينا صدفة..وان ميغيل كان يركب وحيدا و..و...
سالتها غريتا بتوتر لاضطرابها:وهل منعك احد من ان تركبي معه قبل الان؟
هزت راسها ورفعته دامعة:لا...لكنني اعرف انه من الحكمة عدم فعل هذا في السر
-اسرار مثل هذه تتسرب دائما..لكنني حتى الان لا افهم مادخل استريلا بالامر، ولماذا تزعج نفسها بالقول لدونا ايزابيلا؟
-لانها شريرة..وهي...كيف تقولين ؟ متسلطة لكن دونا ايزابيلا وجدتي الكونتيسة تاملان دائما ان يتفق الكونت واستريلا ويوحدا العائلتين ظننا انه سيختار تيريستا الان انها تزوجت من غيره... والان صارت ارمله..ولم نعد ندري...
هزت راسها واكملت:ولهذا السبب تظن استريلا انها تستطيع التدخل في شؤونها حتى انها تدلهر باسماء لايسمح لاحد ان يدعوه بها سوى الكونتيسة
اطلقت غريتا تنهيدة ثقيلة تماثل تنهيدة كارلوتا
-هكذا اذن ..هل ترغبين ان تخبريني شيئا عن ميغيل؟
قالت كارلوتا بأسى:لقد احببته سرا منذ سنتين.. وسأحبه للابد
لم يعد هناك ما يقال بعد هذا الحديث الموجز البليغ ماعدا سؤال واحد ترددت غريتا في طرحه...بعد لحظة تلقت الرد عليه.. فقد استدارت كارلوتا لتمسك بيد غريتا تهتف بتوسل : ارجوك.... هل تساعديني؟ ميغيل فقير لكنه من عائلة طيبة...
ولن يسمحوا لي بالزواج من ميغيل بسبب المال الذي سأرثه عندما ابلغ السن القانوني ...وهو نفسه يدرك بياس انه لايملك مايقدمة لي وان عليه ان يعمل للاخرين...لكنني اذا لم اتزوجة فلن اتزوج غيرة ساظل عانسا للابد
ابتسمت غريتا :عانسا للابد ؟ كيف يمكن ان تبقى عانسا للابد وانت بالكاد تبلغين السابعة عشرة ؟
سرعان ما غطت الدموع عينيها السوادين فتلاشى مرحها.. وقالت بلطف : طبعا سافعل ما استطيع لكن لا تطلبي مني ان اخدع خالك..خاصة اذا كان قد منعك من مقابلة ميغيل
-لم يفعل هذا فهو لايعرف..ولايعرف احد حتى الان
-وهل انت واثقة ان الكونت لن يتعاطف معك كما تتصورين ؟ بالتاكيد هو،وليس استريلا من يستطيع الحكم اذا كان ميغيل صديق مناسب---
شهقت كارلوتا بنفاذ صبر فابتسمت: اجل..صديق..هناك وقت طويل قبل ان تفكرا بالزواج..لا يمكن ان تحرمي تماما من الاتصال بالجنس الاخر
ردت بياس: قد يحصل هذا...انت لا تفهمين كيف تستلم للتقاليد ؟ اه....لماذا لاتملك هذه العائلة روح التحرر؟ شخص لديه الشجاعة ليكسر القيد ويتحرر كما فعل الاخرون؟ لازلنا نعيش ايام صبا دونا ايزابيلا فهذه لست ايامنا0
صمتت غريتا كان الصدق واضحا في حديث كارلوتا....وعلى الجانب الاخر كان هناك يأس مبالغ فيه...فيبدو ان كارلوتا ربيت بلطف منذ مولدها... تعليمها كان قاسيا لكن محميا ولم تواجة يوما صعوبات الحياة مثلما تفعل الفتاة الانكليزية المراهقة العادية.....لذلك فمن غير المحتمل ان تكون قادرة على اصدار حكم او قرار لاينذر بتحطيم القلب وقالت بهدوء : على أي حال اظن ان صداقتكما لن تبقى سرا قلت لي ان ميغيل علم كارلوس السباحة في السنة الماضية ولاشك انكم استمتعتم بالاجازة سويا...عندما سمح لميغيل ان ينضم اليكما كفرد من العائلة0
-هذا لايكفي...اريد الزواج منه
سألت غريتا بجفاء : وهل يريد ان يتزوجك ؟
كانت تؤمن ان
كارلوتا تنعم في حلم يقظة مراهق..نسجته حول السكرتير الشاب لخالها
-طبعا...لكنه يعرف ان لاجدوى من طلب الاذن لزواجنا ولو عرف احد بهذا.... سيبعد من هنا
بدا الامر وكانه مازق فتنهدت ثم عادت كارلوتا الى درس الادب الانكليزي لكنها لاتستطيع الا ان تشعر بالفضول تجاة شخصية ميغيل
الذي لاشك استعيد قلب الفتاة الاسبانية الصغيرة لذا احست بقشعريرة اثارة حين سمعت بانه قد وصل ذلك المساء
في البداية شعرت بخيبة الامل عندما حانت لحظه مقابلتها له...بدا ميغيل بجوار الكونت صغيرا لاقيمة له...كان قصير القامة عكس الكونت ولايملك وقفة الكونت المتعجرفة الواثقة.... عندما تعرفت عليه اكتشفت انه يمتلك سحرا خاصا قادر من خلاله ان ياسر قلب انثى صغيرة
كان ناعم الحديث عيناه سوداوان رقيقتان كلاتيني حقيقي...ابتسامته الجذابة تقنع أي امراة انها موجهة اليها فقط وليس لغيرها كانت اخلاقة ممتازة وهندامة لاباس به لكن هل هو صادق؟ واذا كان صادقا كيف سيفيد صدقة كارلوتا ؟ بكل تاكيد هو ممثل شاب بارع وخبير...ولم يكن في طلعته أي اثر للمحب المشتاق عندما تحدث الى غريتا في النور الذهبي لمغيب الشمس في الصالا ذلك المساء
لكن لاينطبق هذا على كارلوتا..كانت عيناها السوداوان تلمعان بنار داخلية وكيانها كله يتهلل بالفرح واحست غريتا بموجة قلق وضيق ..اذا كان كل شئ بينهما على مايرام كما قالت كارلوتا...فلماذا تصرخ بسرها الى العالم كله؟القول المأثور:قلبها في عينيها
خطر ببال غريتا وفي الوقت نفسه احست بوجود شخص اخر
فقد دخل الكونت الصالا مقطبا جبين .. وبدا واضحا انه سيعلن استهجانه
وباندفاع بدات غريتا تقول اول شئ خطر ببالها تحاول وضع نفسها بين ميغيل وكارلوتا الشاردة العينين
التقط ميغيل الاشارة فورا ووجدت غريتا نفسها مدعوة معه لحفلة فلامينغو بصحبة بعض الاصدقاء..ولم تستطيع ان تفعل شيئا سوى القبول وتحديد موعد في الامسية للاسبوع القادم....لكنها لم تعرف ايهما كان الاكثر احباطا...تعبيرات وجه كارلوتا المتالمة ام بريق الاستهجان المتعجرف الذي زاد من قتامة وجة الكونت وهي تستدير اليه؟


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:01 pm

الفصل الرابع

هل اعلنت الحرب
تقع مزرعة بيلار فى احدى الوديان الغنية المثمرة التى تقسم السهل الساحلى الجاف الطريق بالسيارة يستغرق اقل من ساعتين ،مما اعطى غريتا انطباعا حقيقيا عن الريف خارج المدينة وكان كارلوس متحمسا للغاية ، وعين نفسه رئيس المرشدين0 صمتت كارلوتا منطوية على نفسها ترد بصوت منخفض حين يوجة الحديث اليها، دون اظهار اى ترقب فرح بالعطلة امامها ، بدا انها لم تغفر لغريتا تطفلها بالامس ، ومع وصول المجموعة الى الهاسيندرا واستقبال استريلا وتيرستا لهم ، تسللت بعيدابغيراعتذار0 قطبت دونا ايزابيلا قليلا وتنهدت غريتا واجبرتها اللباقة ان تظل مع المجموعة حتى انسحبت دونا ايزابيلا مع صديقتها القديمة ، وذهب كارلوس مع صبيتين صغيرتين الى مكان ما مع بعض اقرانه ، وتركت لتواجه حاجبين استريلا المقوسان بدقة 0 قالت الفتاة الاسبانية : بعد قليل ستكون تيرستا معنا ولا داعى للقلق على كارلوس الصغيرفقد زارنا قبل الان 0 هزت غريتا راسها تشعر انها ليست ضيفة على وجه الدقة ترقبت بادب ان تقوم استريلا بالخطوة التالية كانتا تفقان على التراس المظلل المطل على مرج عشبى اخضر عريض تحدة ازهار رائعة 00 بينما ادخل السائق الحقائب الى المنزل ، وهدا ضجيج وصول الضيوف0 استدارت استريلا : بعد قليل ستاتى جوليتا لتريك غرفتك واذا كان هناك شئ ترغبين به ، ستهتم هى بذلك 0 بدت الفتاة غاضبة ومرة اخرى لم تستطيع غريتا الا ان تهز راسها وتتمتم بامتنان ، كانت تسمع اصوات كارلوس واصدقائه تتهادى بجوار المنزل ولكن الاولاد ابتعدو عن النظر 00 ترددت غريتا قليلا ثم قالت : اين هى كارلوتا ؟ من الافضل ان اجدها 0 رفعت استريلا حاجبيه مجددا : آه اجل اليوم تبدو غاضبة ، ارجو الا تكون صحتها متوعكة 0 ردت غريتا بحذر : لست واثقة من هذا0 قالت الفتاة باستعلاء : انها فى مرحلة عمرية تجعلها سريعة التاثر 00 وسوف تتصور نفسها تقع فى حب اى شاب جذاب تقابله 0 هتفت غريتا ببرود : لا اظن هذا 0 وتذكرى انه لم يمر سوى شهران علىفقدانها لوالديها0 قالت بصوت منخفض : وكيف انسى آه ها هى جوليتا سنراك فى " الصالا " فيما بعد0 ولحقت غريتا بالخادمة الصغيرة الى غرفة النوم المخصصة لها وقد ادركت ان حذرها من استريلا فى محله0 لم تندهش عندما اكتشفت ان غرفتها كانت على مسافة بعيدة عن غرفتى كارلوس وكارلوتا ، وانها فى مواجهة حرارة الشمس ، وانها مخنوقة لا هواء فيها 0 لاباس ، فلن تترك هذا يزعجها ابدا لن يدوم هذا اكثر من ليلتين، بسرعة غسلت وجهها ويديها ثم خرجت تبحث عن كارلوتا وكما توقعت ، وجدتها ممددة على سريرها وبجانبها صينية مليئة بالبسكويت ، وفى متناول يدها شراب مثلج التفتت نحو غريتا ثم اعادت نظراتها الشاردة نحو السقف ..................س التها غريتا بنعومة : اتشعرين بصداع ؟ -لا.ليلاس . -هل يمكننى ان افعل لك شيئا ؟ التفتت كارلوتا نحو غريتا : لا.... لماذا لا تاخذين قيلولة مثل غيرك ؟ انت دائما تتجولين فى اشد الايام حرا . ابتسمت غريتا : انا لا انام فى وسط النهار حتى ولو كان الطقس حارا كالفرن .. ثم اننا وصلنا لتونا ... ومن غير اللائق ان انام على الفور.ديدى . هزت كارلوتا كتفيها ولم ترد . بعد لحظة ، جلست غريتا على حافة السرير وقالت بصراحة ليس الامر كذلك ... وتعرفين ... لقد كدرتك ليلة امس بمحاولتى مساعدتك . الن تصدقى اننى اقول هذا لمصلحتك ؟ جلست كارلوتا وقد تجهم وجهها بحسرة : لم يمضى عليك هنا غير اسبوعان فقط وحددت موعدا مع ميغيل .... ومن اول لقاء لكما .. هل هكذا تساعديننى ؟ دهشت غريتا لدرجة الضحك: آه ... لا ! لو رفضت لكن الموقف اكثر تعقيدا فى وجود خالك ..الا ترين ؟ لقد عرف ميغيل على الفور اننى اساعد فى التغطية.ليلاس . قطبت كارلوتا ، حاولت الاقتناع لكنها لم تكن واثقة : تغطية ؟ لا افهم . انها تمثيلة قديمة ، او خدعة .. اذا ارتبط شخصان بالحب ، وحاولا كتمان الامر فسيتظاهران بالاهتمام بشخصا اخر .. فميغيل لم يكن ينوى حقا دعوتى للخروج معه الى اى مكان ... لكن هذا حدث لانك كنت تنظرين اليه بذهول .. وخالك كان يراقبك وتذكرت ما قالته استريلا عن نزهة ركوب الخيل .. وهكذا .. حدث ما حدث.ديدى . –فهمت ... اذن ستتظاهرين مع ميغيل ان هناك علاقة بينكما كى لا يشك خالى فى امرنا . احست غريتا بالحذر : ليس بالضبط ... كان هذا اندفاع مفاجئ ولا افكر فى اقامة علاقة مع احد ... وليس ميغيل بكل تاكيد.ليلاس . -الا يروقك ميغيل ؟ -انه ساحر وجذاب جدا ... لكن لا يمكن ان اقع فى حبه . تنهدت كارلوتا تلف ذراعيها حول ركبتيها : انه رائع .... ولسوف احبه الى الابد . -اجل .. ولكن من الصعب ان يظل الامر سرا اذا بقيت كما ظهرت ليلة امس ... لقد سمعت عن لغة العيون ، لكننى لم ادرك ابدا مدى ما تقوله العيون .. على اى حال ليس هذا ما اردت قوله ..لدى فكرة.ديدى . بدا التفاؤل على كارلوتا : ماذا؟ فكرة من بشأننا ؟ -لماذا لا تاتين معنا الى الفلامينغو ؟ -لن يسمح خالى بهذا ابدا . –وهل سالته ؟ -لاجدوى من سؤاله . –حسنا .. سأسألة انا .ديدى.
سوف يرفض ... وقد يعترض على ذهابك انت مع ميغيل . ضغطت غريتا على شفتيها : من الافضل له الا يعترض . خالك لطيف جدا وساحر لكن عليه الا يملى على ما افعله فى وقت فراغى ، والا سيتطاير الشرر! -شرر؟ ضحكت كارلوتا مستعيدة مرحها : لكنك لا تعرفين خالى . انه لايحب ان يتحداه احد .. ويغضب ويثور اذا خالف احد امره . -عرفت هذا ... لكن مع كل احترامى له فان وضعى مختلف عنك . طالما اؤدى عملى واحصل على اجرى ، لا يمكنه انتقاد تصرفاتى الخاصة . قالت كارلوتا بثبات :هكذا تنظرين انت الى الامر .. لكنك ستجدين ان الامر مختلف .. فلا تقولى اننى لم احذرك ! -لن افعل . على الفورصرفت النظر عن تحذير كارلوتا حيث انه وليد خوفها الطفولى من خالها .. لكنها تختلف عنها ... هكذا قررت وقشعريرة السخط لا تزال حادة من جراء فكرة محاولة الكونت فرض هذه المقاييس والنظام والقيود عليها .. ربما لو فكرت بعمق اكثر فلن تصرف النظر عن الفكرة بمثل هذه السرعة ... لكن تصاعد صراخ الاولاد شغل اهتمامها .. وتقدمت نحو الابواب الزجاجية المؤدية الى الشرفة : هناك فى الاسفل ثلاثة من الاولاد يتصارعون بشراسة للحصول على كرة كبيرة ... وهى تبتسم تقدمت ، وتفرقت المجموعة الصغيرة تاركة كارلوس المنتصر ممسكا بالكرة . وتراجع الى الخلف ينططها قليلا : اقول لكم لا ! ليس هكذا ... بيليه يفعل هكذا ! بهذه الطريقة ! صوب الكرة ثم ركلها بشدة رفعتها فوق رؤوس الاولاد وباقة الزهور الحمراء التى تحد المرج. صاحت غريتا مهللة :اوليه !
ثم كبتت ضحكتها عندما سمعت صرخة من خلف باقات الازهور ، وكذلك تلاشت ابتسامات الاطفال عندما ظهرت استريلا بقسمات وجهها القاتمة .بدت غاضبة جدا وهى تمسح بقعة عن فستانها العاجى الخالى من الشوائب .. وانفجرت بكلام غاضب لرويتها المتسببين بهذا .. ووقف كارلوس صامدا .. ووجهه الصغير كله تحدى ، وقال ما قصدت اصابتك يا سنيورا بيلار .. لم نكن نعرف .. لكن استريلا تجاهلته ... فقد رات غريتا على الشرفة ، فنظرت اليها صائحة : الا تستطيعين السيطرة على هؤلاء الاولاد ؟ اترين ماذا فعلوا ؟ يا للعار! لقد تلوث فستانى ! انت ... قاطعتها غريتا بنبرهة معتدلة : انا متاكدة انه لم يلوث بعد ... ولا ارى عليه اى اثر . اشارت استريلا بيديها : الا ترين؟ انت لا تحاولين رؤيه شئ ....لماذا لا يذهبون الى لاسرتهم ليرتاحوا وقت القيلولة ؟ تنهدت غريتا .. ربما تكون الكرة قد تركت اثر على ثوب استريلا ..لكن هل عليها ان تصيح هكذا ؟ كان كارلوس ينظر اليها بقلق ولهفة والولدان الاخران ينسحبان ببطءمن المكان ... وقالت بنبرة هادئة : لقد ناموا قيلولتهم .. ولن تتوقعى من ثلاثة اولاد اصحاء ان يعبثوا باصابعهم طوال اليوم ...انا واثقة انهم فعلوا هذا عن غير عمد .. لقد رايت هذا بنفسى . تلاشت نبرتها الهادئة وهتفت بحدة وحزم : انا واثقة ان بالامكان تنظيفه . -لن ينظف ... الفستان افسد ...ولن ارتديه ثانية . واستدارت بغضب : هذه غلطتك يا كارلوس .. سيعرف خالك بذلك وستنالوا العقاب .. هيا ادخل الى المنزل فورا . فجاة فقدت غريتا صبرها ... وهبطت السلم بسرعة : لا اظن هذا ! ان ما حدث هو حادثة بالتاكيد ! واظن انهم لم يعلموا بوجودك هناك ... ومع ذلك فسيعتذرون لك ... وسازيل الغبار بنفسى عن فستانك .... وعندئذ ينتهى امر الاولاد ! تقدموا باذعان امام دهشة غريتا ، وقدم كارلوس اعتذاره بتواضع واحترام ، واعتذر الولدان الاخران مثله .. وشكت غريتا ان السخط يلمع فى عيونهم السوداء ، لكنهم عندما رفعوا نظرهم الى غريتا اكتست وجوهم بالوقار التام . ولكن استريلا لم ترض ... وبدا انها ستنفجر مجددا بنوبة غضب اخرى ...وتمتمت بشئ لم تسمعه غريتا ، ثم ابتعدت بسرعة . حينذاك اقترب كارلوس من غريتا : هل ستطلب من تيو ان يعاقبنا ؟ ما قصدت ايذائها يا سنيوريتا تيرانت . -اعرف هذا ... فلو اخبرته ، ساقول له الحقيقة وانا واثقة انه سيفهم . بدا كارلوس اقل قلقا ، وبعد فترة قصيرة عاد الى طبيعته ... على عكس استريلا التى ظهرت وقد غيرت فستانها ، وارتدت بدلة رائعة باللونين الابيض والاسود ، تعبيرات وجهها لاتخفى كراهيتها لرؤية غريتا . كانت برفقة امراة شابة رشيقة لم ترها غريتا من قبل .. وهمست كارلوتا : هذه شقيقتها تيريستا .. ستجدينها الطف من استريلا .. فالحزن زادها جمالا . كانت المراة الشابة الحزينة العينين مختلفة تماما فى الاخلاق والتصرفات عن اختها ، صوتها اكثر رقة ، اكثر وقارا وفى حركتها كياسة بدون عجرفة . احست غريتا بالدفء نحوها وعلى الفور اكتشفت ان تيريستا هى السنيورا جورادو التى كان يجب ان تجرى معها تلك المقابلة الشهيرة فى لندن منذ اسابيع . تذكرت تيريستا بحزن ، رغم ابتسامتها : كنت متحمسة للغاية فى ذلك اليوم .... كان امامى فقط يومان فى مدينتكم ...واردت ان ارى الكثير من محلاتكم الرائعة ... وكانت تلك اول مرة لى فى اوروبا منذ ... منذ... زواجى ... اتفهمين ؟ ردت غريتا بلطف : نعم ... افهم . -وبالطبع انكليزيتى ليست متينة مثلكم ...وكنت اتساءل ماذا ساقول لريمون عندما لم اجد الفتاة المناسبة ... فقد يئست منهن جميعا ... لو اننى رايتك قبلهن لوفرت على نفسى كل شئ بعد ظهر ذلك اليوم .. وما فكرت فى الخروج وتركك تحت رحمة رامون ! هل سامحتنى ؟ -لايوجد ما اسامحك عليه ... لم تكن المقابله سيئة ابدا . وضحكت غريتا . وتلاشى المرح من العينين السوداوين تاركا حزنا لا يفارق وجهها . -لست واثقة الى هذا الحد ... فالكونت يمكن ان يكون ... كيف تقولون ؟ مخيفا لمن ليسوا مقربين له ... احيانا اكون ممتنة لانه ليس على راس عائلتنا ! صمتت لحظة ثم واصلت بلهفة :لقد تحدثت كثيرا عن نفسى ! هل انت سعيدة هنا ؟ اجابت دون تردد : احب كل دقيقة تمر . صفقت تيرايستا بيديها ونظرت حولها : يجب ان نشرب شيئا ... اين استريلا ؟ كانت استريلا غير موجودة ، وجاءت الخادمة الصغيرة من المنزل فطلبت منها تيريستا ان تاتيهما بالعصير، ثم التفتت الى غريتا . -لاتهتمى بشقيقتى ! انها فى احدى .... كيف تقولين ؟ نوبات الغضب ؟ لا بل نوبات كراماتها المجروحة ... لاننى لم اسمح لها بالتحكم فى حياتى مرة اخرى ... الان وضعى مختلف ... لقد سافرت لمدة ثلاث سنوات وعشت فى كل انحاء العالم مع جيراردو ... اما الان ... فلسوف اعيش وحدى الا اذا تزوجت مرة اخرى.
سادت لحظة صمت ... ثم وقبل ان تنطق احداهما ، ظهرت سيارة (استايشن )كبيرة فى الطريق الداخلية ... وجلست تيرايستا ، وركض كارلوس وصديقيه الصغيرين فى الطريق ليستقبلوا الرجل الكبير العريض الكتفين الذى خرج من ( الستايشن ) . استرخت تيريستا وقالت سنيور سكوفيلد ... جارنا ... ولكن مزرعته ... آه ...اكبر من مزرعتنا ثلاث مرات .. انه ... تلاشت كلماتها مع تقدم الاولاد وبدا الوافد الجديد شديد السمرة ، لطيف التكوين ، لوحت الشمس شعره الاشقر فبدا كالذهب ... وساله كارلوس : هل سنذهب اليوم الى الكوريدا يا سنيور سكوفيلد ؟ اجاب الرجل الاشقر : سنذهب جميعا الى الكوريدا اميغو . وتغيرت ابتسامته لرؤية غريتا ورفيقتها : مرحبا يا تيريستا . كادت غريتا تصيح ... انت انكليزى ! لكنها منعت نفسها وانتظرت حتى ردت تيريستا تحيته وقدمتهما الى بعضهما ، واطلق كايل سكوفيلد شهقة الدهشة بدلا منها ثم امسك يديها : كان ينبغى ان اعرف نظرة الى هذه البشرة ... لقد سمعت ان الجالية البريطانية هنا زادت واحدا ... والان من اى منطقة ؟ دعينى اخمن ؟ .... لندن ؟
ردت مبتسمة بسعادة : سوراى .
-مهما يكون فلا زلنا جيران
فجاة اصبح النهار افضل .. لكن شئ واحد ظل يقلق غريتا ..وبعد قليل افرغت قلقها الى كايل سكوفيلد خلال لحظة بقيا فيها وحدهما . قالت مترددة : انها "الكوريدا" التى اخاف منها .
-الكثير من النساء الانكليزيات يخفن منها ..لكنك لست مضطرة للذهاب .
قالت ببطء : لم يكن لدى فكرة انها على برنامج اليوم .. كنت اظن ان هناك فقط حفلة صاخبة ... رقص وطعام ومرح .
ابتسم : ارى ان امامك الكثير تتعلمينه بعد ..حين نعود من الكوريدا سيكون هناك حفلة ضخمة فيها غناء وصخب ، وسيستمر هذا الى ما بعد منتصف الليل .
قطبت : اجل ... لكننى اتمنى الهرب من مصارعة الثيران تلك ....انها فظيعة .
صمت وادركت انه لا يستطيع فعل شئ لمساعدتها .. ولن تغامر وتثير غضب احد باعتراضها على ترتيبات المضيفين.. ثم انها مضطرة الى مرافقة كارلوتا و كارلوس 0
الجميع يتاهب الان للذهاب ... بعض الضيوف صعدوا الان لسيارتهم ، وانطلقوا ... وكارلوس واصدقائه كانوا ينتظرون بملل بعد ان تلقوا وعدا بالركوب فى سيارة كايل . ولم يعد فى وسع غريتا ان تفعل شيئا سوى كبت هواجسها واللحاق بكارلوتا فى السيارة 0
امتلأت (بلازا دو توروس ) بالاثارة الصاخبة وكانت الموسيقى تصدح من مكبرات الصوت موسيقى عسكرية حماسية تشبة الالوان الصارخة لبذلات المصارعين ، الاف الاصوات ترتفع صاخبة بالاضافة الى رائحة مختلطة من الغبار والاجسام البشرية الحارة والحيوانات ، تزكم الانوف .
كان كايل سكوفيلد الى جانب غريتا قبل ان يفرقهما الزحام الخانق عند المدخل . وقال لها بصوت منخفض : هذا نوع من الاثارة عليك ان تجربيه ولو لمرة واحدة فى حياتك ...كى تكونى قوية قادرة على المقاومة ....اليس كذلك ؟
-انا لا افكر بالثبات او الهزيمة ... بل افكر بالثور .
وضع يده بلطف بين كتفيها يحثها على صعود السلم .
-ساجلس الى جانبك وامسك بيدك لو صار المشهد مزعجا .
لم يحدث الامر بهذا الشكل فبعد ان جلس الجميع فى مقاعدهم جلست غريتا فى صف طويل من الوجوة التى لم تالفها ... ومالت الى الامام لترى ان كايل جلس بين كارلوتا وتيريستا على بعد خمسة مقاعد منها . فجاة توقفت الموسيقى .. وصمت الجميع وحبست الانفاس ..ثم ركض الثور الى منتصف الدائرة الرملية الصفراء الكبيرة .
تعالى صوت تنهيد الف نفس كان محبوسا .. ومرت فى نفس غريتا موجة رعب غريبة يخالطها الذهول ، بينما كان المخلوق الضخم الاسود يستدير ليواجه جلاده .
وبدات لعبة الرداء الاحمر والاصفر .. وتصاعدت حماسة الجماهير .
قبل ان تستقر الطعنة التالية فى ظهر الثور لتشله ، عرفت غريتا بارتجاف ان عليها ان تخرج من هنا والا ستبدو كالبلهاء امام الجميع . وسرها ان تكون قريبة من نهاية الصف ، فوقفت وتسللت من امام سيقان جيرانها الى ان وصلت الى المدخل الخارجى ، لتصل الى خارج البلازا الهادئ .
ثم توقفت هناك لتاخذ نفسا عميقا وتنظر حولها قبل ان تسير ببطء فى اتجاة موقف السيارات ... كان راسها يضج بتاثير الحرارة والصوت وكراهيتها لهذه الرياضة .. رفعت يدها الى غطاء الراس المربوط الى الخلف بشدة وحررت شعرها ، ثم تنهدت عندما احست بالحرية التى اعطاها لها شعرها الاشقر وهو ينسدل على كتفيها وحول وجهها .
خففت سيرها الى ان وقفت ...مسألة ماذا ستفعل الان لم تخطر ببالها بعد ...لم يلاحظ احد من الجماعة خروجها السريع ، واحست بالامتنان عندما اصبحت وحدها بعيدا عما يجرى فى الداخل ...لكن قطع عليها ذلك صوت وقع اقدام قادمة وسماع صوت لم تتوقع ابدا : يا سنيوريتا ... هل انت مريضة ؟
استدارت لتواجة الكونت ، وشهقت : انت ... كنت اظنك بعيدا !
بدا عليه الضيق : كنت ، لكن زميل العمل استدعى لامر شخصى طارىء . انت لم تجيبى على سؤالى ... لقد رايتك تغادرين الكوريدا ...هل انت مريضة ؟
-لا... بل مجرد غثيان ...لم استطيع تحمل ما يجرى لحظة اخرى ... هذا عمل غير انسانى . لا ادرى كيف يستطيع اى شخص ان يجلس ويتمتع ويهلل لمثل هذه التسلية البربرية ... رياضة !
قطب جبينه : تمهلى لحظة ، اتتكلمين عن الكوريدا ؟
-وما غيرها ؟ اظن ...
-اظنك لا تعرفين شيئا ابدا لذلك لايمكن لك ادانة شئ هو اكثر من رياضة ... انه فن ورمز لتفوق الانسان وشجاعته .
لم تحاول اخفاء اشمئزازها وسخريتها : شجاعته ؟ اى شجاعة ؟ اتعنى ان غرور الرجل تفوق ؟
هل تجرؤين على مواجهة احدى هذه المخلوقات ؟ ليس هناك اى ادعاء ، والثور لا يخسر على الدوام .. الكوريدا تعنى الموت يا سنيوريتا .
صاحت : ولهذا اكرهها .
-الاترين ان الناس يشاهدونها بذات الرهبة التى يشاهدون بها السيرك ؟ ... وفى السيرك دائما تلك المخاطر فقد يتحطم لاعب البهلوانيات فوق الحلبة . انها الاثارة ، الجاذبية ، لكن القليل من الناس يعترفون بهذا .
-لقد اعطى الانسان هبة ثمينة هى المنطق يا سيدى الكونت .. بامكانه ان يقرر حمايه حياته او يخاطر بها ... لكن الحيوان لم يعطى هذا الخيار ، انه يقاتل او يقتل لمجرد ان ينجو ويعيش ... واذا اختار الانسان ان يعرضه للاذى ، فلا خيار عنده حينئذ سوى الدفاع عن نفسه ... ويسمى الانسان هذه رياضة ؟ انا اكرة العنف والمعاناة اكانت لبشر او لحيوان ، وهناك ما يكفى منها فى العالم دون ان نتعتمد حدوثها .
وبدا الجو بينهما مشحون بعداء غريب ... من بعيد سمعت اصوات الناس ... وبغصة الم كليل عرفت ماذا تعنى .... الثور .... مات !
احست بيديت خفيفتين حازمتين على كتفيها ... وادارها الكونت ببطء لتواجهه وقال بهدوء : كفتاة انكليزية باردة ، انت شديدة الحساسية ... اليس كذلك ؟
لم تستطيع الرد او النظر الى اعلى كى لا تواجه نورالشمس ... الان تلاشى كل غضبها تاركا الحزن لاحساسها بالغربة فى مجتمع غريب ... كان هناك فقط طيف الرجل الذى يعلوها ، ورابطة العنق البنية القاتمة الحريرية والبارزة امام قميصه الحريرى اللؤلؤى اللون ... امسك ذقنها بيده . تفرس فو الوجة البيضاوى الصغير ... اللون المشمشى يصبغ استدارة خديها الناعمين ، وباصبع واحد طويل مسح نقطة وحيدة لامعة كالالماس ، تسللت من تحت الرموش المنسدلة .
-اظن ان فى عينيك شيئا ... شعرة او غبار ... ربما تزول لو مسحتها بهذا المنديل .
القماش الناعم الابيض مسح بنعومة تحت رموشها ، فزالت القطرة اللامعة .. طرفت بعينيها ورفعت ذقنها بكبرياء .
-شكرا لك يا سنيور ... لقد زالت الان .
احنى راسه قليلا الى جانب واحد : يسرنى هذا . اظن ان الوقت غير مناسب لمتابعة الحديث عن الكوريدا ... اسمحى لى يا سنيوريتا .
وضع يده تحت مرفقها وادارها نحو الخط الطويل من السيارات المتوقفة ... وسارت الى الامام بتلقائية ، ثم توقفت لترمقه بنظرة حائرة .
-لكن الاخرين يا سنيور ؟ الن ننتظرهم ؟
-لا اظن ، سيمضى وقت طويل قبل انتهاء الكوريدا .
-لكن ، الاولاد ... يجب ان ...
-لقد اعطيت تعليمات لميغيل ان يظل معهم ضمن المجموعة ، فلا تقلقى يا سنيوريتا ، سيكون كل شئ على ما يرام .
-الا ترغب فى العودة الى الكوريدا ؟ لقد كنت هناك ، اليس كذلك ؟
-الا ترغب فى العودة الى الكوريدا ؟ لقد كنت هناك ، اليس كذلك ؟
-انت تعترضين كثيرا !
اخرج مفتاحه وفتح لها الباب وادخلها الى المقعد الامامى .
هدرت الليموزين الاميركية الفخمة وبدات البرودة اللذيذة لمكيفها تلامس بنعومة وجه غريتا الساخن.... تساءلت اين سيذهب بها ؟ واختلست منه نظرة خفية ، لكن وجهه البارد المتعجرف كان بعيدا يركز على قيادة السيارة ... وظلت صامتة 0
لابد انها تنهدت ، اذ قال : هل تحسين انك افضل حالا الان ؟
استرخت وعلى شفتيها ابتسامة قلق : اجل ... شكرا لك 0
لماذا يملك القدرة على سلبها مقاومتها بسهولة ؟ هذا غير عادل !
بعد فترة وجيزة جدا ، لاحظت معالم المدينة الخارجية وتساءلت عما اذا كان سيعود الى الفيلا ...لكنه انطلق بالسيارة مباشرة الى وسط المدينة ليتوقف اخيرا خارج فندق ( بوليفار ) حيث التفت اليها وفى عينيه تسلية شيطانية .
-اظن اننى لاحظت بداية غثيان بعد ظهر اليوم ، وهى حالة يجب ان اتعامل معها 0
عضت شفتها : آه ....
واخذت تتطلع الى واجهة الفندق الرئيسى فى ليما ، لم تحس انها فى حالتها الطبيعية 0
-يا سنيور .. اقدر لك اهتمامك ... لكن ... احس اننى لست انيقة لادخل الى هنا 0
تفرس بها بعينين متعجرفتين : كلام سخيف ... تبدين فاتنة ... وانا واثق ان مرآة حمام النساء لن تخالفنى الرأى 0
لم تقتنع بتلك الشهامة اللاتينية ، ونزلت من السيارة ... رافقها الكونت الى الداخل بوقار كانها اميرة ، ثم توقف : سانتظرك فى قاعة الاستقبال الرئيسية ... لكن ارجوك ، لاتجادلى تلك المرآة كثيرا يا سنيوريتا .
تصاعدت الاثارة فى داخلها ... وان بدا على مظهرها الهدوء 0
وعندما وافته مرة اخرى ، نسيت كل قلقها وترقبها ... وكأن الكونت يملك عصا سحرية لينقلها من اميركا اللاتينية ، الشديدة الحرارة والرطوبة ، الى فندق انكليزى متخصص بتقديم الشاى ، برخامه الابيض والزهرى ، بينما الكونت فى افضل حالاته ، انيق ، يحسن ضيافة زواره ومرفقتهم ... كما يجب ان يكون ....
كانت غريتا تحس بالرضا عندما حان الخروج ، عيناها تبتسمان وهو يضعها فى السيارة وعلى شفتيه ضحكة خفيفة . وجلس فى كرسى القيادة وانطلق بالسيارة حتى غادرا ضواحى المدينة .
كسر الكونت حدة الصمت برغم تركيزه على قيادة السيارة ، وهتف بهدوء : الان وكما ترين فنحن لانهمل الوجة المريح للحياة 0
اجابت والبسمة لاتزال فى عينيها : اجل ... وارى كذلك يا سنيور انكم لا تفعلون شيئا ناقصا .
-ناقص ؟ كيف يا سنيوريتا ؟
-بانصاف حلول ، انتم لا تفعلون شيئا بطريقة عفوية كما نفعل نحن احيانا ، او تقبلون بنصف شئ لمجرد انه اسهل من الرفض 0
-آه ... تعنين اننا اكثر ايجابية فى ردود افعالنا واكثر واقعية فى مجابهة الامور؟
-ليس بالضبط ..ايجابيون ، نعم ..واضحين ...لا 0
الوضوح اخر ما يمكن ان تصف به رامون دوغارسيا اى مونتيلياس ، اللغز 0
بدا الصمت داخل السيارة وكانه ينتظر غريتا لتكسره ... فجاة لم تعد غريتا متاكدة من نفسها ..هل اغضبته ؟ لقد كانت جريئة جدا فى حديثها معه بعد خروجها من الكوريدا . ادركت ذلك عندما استعادت فى ذاكرتها ما جرى ... لكنه بدا متباعدا ، لا غاضبا ...وقد اخذها لشرب الشاى ، ولم تتغير تصرفاته اللائقة معها ... الا اذا كان يريد ان يلقنها درس فى الاخلاق ؟
التفتت تنظر الى جانب وجهه المتجهم بصرامة ... تتوقع ان تقرا ما يفكر فيه...
رفع حاجبه ردا على نظرتها الصامتة : اذن لقد فهمت اخيرا طباعنا ؟
نظرت امامها نحو الطريق ... احست بارتياح غريب وقالت بحذر : لا... لا يمكننى الادعاء اننى افهم احدا . هذا لايتم بعد وقت قصير يا سنيور .
-هل تفكرين فينا بهذا الشكل ؟ مجرد معرفة 0
تغيرت لهجته ... وادركت انها لم تتوهم تلك اللهجة المتشددة التى اختلطت بنبراته ، وقالت بسرعة : انا ... لم احد شيئا ... او شخصا بعينه . وبكل تاكيد ليس انت يا سنيور 0
خيم الصمت مجددا ... وابطأ الكونت سرعته قبل ان يعلق ببرود : اجد ان حديثك هذا مثير للاهتمام .
كتمت الرد الفورى وترقبت ... فتابع : هذا يؤكد على شئ لطالما شككت به فى الانكليز . انتم لا تلزمون انفسكم امام غريب او شخص تعرفونه ، ما عدا فى حالة الغضب 0
ردت تدافع : اظن ان ذلك سلوك عالمى ، ولا يخصنا وحدنا 0
-فلنترك الواجهة العالمية بعيد عن الموضوع فى الوقت الحاضر ، ونحصر النقاش بيننا 0
-انت تعتبرنى جريئة فى الحديث يا سنيور كونت ... اليس كذلك ؟ وانت تحاول ان تخبرنى بلباقة الا اعطى رايا فى لحظة غضب ، بل اكون اكثر تعقلا بسبب ما حدث بعد ظهر اليوم 0
صمتت لحظة ووصلت بحزم : حسن جدا ... انا لم اقصد توجيه اهانه شخصية لك ، لكننى لن اغير رأيى .
لم يرف خط واحد من خطوطه الاستقراطية 0
-سيخيب املى فيك لو غيرت رايك 0
اجفلت : يخيب املك ؟ لا افهم .
-اننى اكرة النفاق بقدر ما احترم الصدق ... لذلك ، ومع ان وجهات نظرتك لاتحتوى على الصدق الكامل ، الا اننى ادرك مدى صدقك فى رغبتك تجنب الاهانة الشخصية 0
صاحت : آه .... هذا صحيح ! المسألة مسألة مبدا ... انا ...
-اجل ... مبدا الحياة ... خاصة من يتعرضون للظلم ... هذا هو الشئ الوحيد الذى يثير غضب اكثر الانكليز برودا .
قالت بحرارة : آه لا ...! انا واثقة اننا لا نمارس الظلم ! وانا واثقة ان هذا كلام مبالغ به 0
-حقا ؟
سالت بلطف : هل هذا اعلان للحرب يا سنيور ؟
-هذا ليس اكثر من اعلان لتفاهم افضل ! على اى حال يبدو لى ان هذا يسليك .
-فى الواقع لا .
بدا لها ان اهتمامه يرتكز على قيادة السيارة فسالته : لقد كدنا نصل .... اليس كذلك ؟
-بعد بضعة اميال ، ثلاثة على الاكثر ... لماذا ؟ هل هناك شيئا يقلقك ؟
-ابدا ... لكننى ارجو الا يسئ احد الظن بتصرفى فى هذا اليوم 0
-لانك هربت من الكوريدا ؟
-كان من الافضل ان ارجع او انتظر عودتهم 0
قال ببرود : لقد امر هذا ... وخطر ببالى كم كنت مهملا .
سالت بدهشة : باية طريقة ؟
-نحن لم نتفق رسميا على مواعيد راحتك ... كان يجب ان تذكرينى 0
تذكرت : اجل لقد تركنا هذا معلقا ... وكان يجب ان نتفق عليه بما يلائمنا معا .
قال بحزم : من الافضل الا نترك هذا الا هذا الامر معلقا ... متى ترغبين فى الحصول على الراحة ؟ فى نهايات الاسبوع ؟
-اذا كان ملائما .. لكننى اعرف ان لدى كثير من وقت الفراغ ومرافقتى لكارلوتا ليست عملا ابدا 0
-مهما يكن ، فانا اصر ان يكون لديك اجازة محددة تشعرين فيها بالحرية التامة . وعندما نعود الى ليما سنحدد جدولا زمنيا لذلك 0
قالت : شكرا لك .
ثم نسيت الرسميات : لكننى لا اعترض ابدا ان يكون وقت الراحة مرنا يا سنيور0
-مرنا .
-اعنى ... لو ان هناك حاجة لى فى نهاية اى اسبوع ، ساكون سعييدة بالتالف مع الترتيبات .. وبشكل مماثل ، لو احتجت لوقت راحة فى منتصف الاسبوع ساطلب منك ذلك واخالف الروتين ... وقد لا يحدث هذا ... لكن الاحتياط واجب .
- الاحتياط واجب فى ان تكونى قد شكلت لنفسك صداقة خاصة فى ليما ؟ اجل ... افهم هذا تماما يا سنيوريتا .
صمت قليلا ، وانحرف بالسيارة ليدخل الطريق الريفى الضيق المؤدى الى مزرعة بيلار : لكننى مضطر ان اذكرك ، قبل ان نمضى قدما بطريقتك البريطانية الطائشة فى السعى الى صداقات جديدة ... فالدعوة الى الفلامينغو التى اقترحها سكرتيرى ... كان من الحكمة اكثر لو لم تقبليها 0
هزت صدمة باردة غريتا من الداخل : الا توافق عليها يا سنيور ؟
قال بنبرة حادة : كنت ادرك انك تعتبرين القبول بالدعوة من غريب ، امر لا غبار عليه ... لكن ليس مع ميغيل ... وهنا .
-وما خطب ميغيل ؟ انا واثقة انك لا توظف اى شخص سئ السمعة 0
-انا لا اتحدث عن ميغيل بصفة شخصية .... بالطبع اخلاقة ليست موضع سؤال ، لكننى احاول ان اقول لك ان ما هو مقبول تماما فى بلادك او حتى هنا مع شخص من جنسيتك او من جنسية اميركية ، غير مقبول فى مجتمعنا ... نحن لا نحترم الفتاة الشابة التى تقيم علاقات عابرة مع الجنس الاخر .
تنهدت : اجل ... اعرف ... لقد حذرتنى دونا ايزابيلا من هذا ايضا 0
التفتت اليه مترددة ، ثم قالت : اقدر لك اهتمامك بى يا سنيور ...
لكن اذا لم اختلط بالناس واعرفهم كيف سارى البلاد على حقيقتها وافهم اهلها ؟ اريد ان اعرف اكثرر مما يعرفه السائحين ... وانا استطيع العناية بنفسى يا سنيور .
-حقا ؟ اتساءل ؟
كان فى نبرته عدم تصديق ادهشتها 00 لقد بدا قلقا حقا .. والفكرة جعلتها تنسى قدرتها التى اكتسبتها بجهد على اخفاء ما بنفسها .. وقالت متسرعة : آه .. اجل .. لا تقلق ! لدى احساس غريزى يتعلق بالناس ، وطالما انا اتبعه سكون على ما يرام .لم يخذلنى هذا الاحساس سوى مرة واحدة فى حياتى .
قال فى خشونة : وكان رجلا بالطبع هو سبب هذه العزلة ؟
زمت شفتيها بمرارة : وكيف عرفت ؟
ثم استرخت باستسلام : هكذا لن اكون عمياء فى المرة القادمة 0
قال ببرود : لن اكون واثقا هكذا لو كنت مكانك يا سنيوريتا ... فهناك حكمة فى المنطق ، لكن نادرا ما توجد حكمة فى الاحاسيس .
تنهدت والتزمت الصمت ، تفكر بحزن فى كارلوتا والوعد الذى قطعته لها ، انه اصعب مما تصورت ...
قالت بتهدج : اترى يا سنيور ... اننى افكر فى ميغيل كجزء من الحياة هنا .. وكنت فى منتهى السعادة عندما اقترح مرافقتى الى الفلامينغو ... وانا اتطلع للمناسبة بشوق .
-وهل تهتمين حقا بموسيقانا ورقصنا يا سنيوريتا ؟
-بل احبهما !
-ولماذا لم تذكرى هذا لى ؟ كنت وضعت لك الترتيبات لزيارة الفلامينغو ... وكنت سارافقك بنفسى .
احست بقشعريرة سعادة تسرى فى جسمها : انت يا سنيور ؟ وكيف لى ان اسالك ؟ كنت ساحطم التقاليد مجددا وبغير قصد 0
قال بعجرفة : الامر يختلف فى هذه الحالة ... وعليك الحذر فى المستقبل عند الدعوات الخاصة0
تقبل قوله بخضوع لدهشتها وهزت راسها الصغير بالموافقة ، قبل ان يخرج من السيارة 0
كانت الظلمة قد تسللت دون ان نشعر بها ... وكانت الانارة تلمع فى كل الحديقة ... بعضها فى اغصان الشجر ، والاخر معلق كعقد فوق البركة .. كانت الانوار تعطى سحرا خاصا لليل تحول صمته وصمت الحدائق المهجورة الى فردوس رومانسى ، وافلتت منها تنهيدة صغيرة ، بينما وضع الكونت يدا ثابتة تحت مرفقها ليساعدها على النزول من السيارة .
ظلت يده دافئة مرشدة وهو يسير بها نحو المنزل ... وفجاة احست بتضارب اندفاعات غريبة . كانت تتمتع ببساطة بهذا التقارب الحميم المبهج مع رجل اثبت لها مع الايام انه جذاب للغاية .. انتظرت حتى ابتعدا عن الظلال تحت الاشجار ووصلا الى الشرفة ، ووقفت : يا سنيور ....
-نعم ؟
تفرست فى اسارير وجهه البعيدة عن الضوء : كنت اتساءل هل لى ان اطلب منك منة يا سنيور؟
-هذا يعتمد على طبيعة تلك المنة 0
-بشان الفلامنغو ... اتساءل ، هل بامكان كارلوتا المجئ معى ؟
حبست انفاسها تتساءل عما اذا كانت مخيلتها تصور لها ام ان عيناه قستا فعلا باستهجان . ثم رات اسنانه البيضاء تلمع وهو يبتسم : اظن ان هذا ممكن ترتيبه ... خاصة وان لدى كذلك طلب اطلبه منك .
احست بارتياح لم تتوقعه : انا ؟
وضحكت بنعومة : شكرا لك ... وطبعا ! ... اى شئ تطلبه ... طالما لا يشمل هذا اصطحاب كارلوس الى مصارعة الثيران !
-لا ... لا علاقة لطلبى بالكوريدا 0
نظر الى وجهها الذى لا يخفى سروره ، وتلاشى المرح من اساريره ... لامس ذراعها مشيرا الى ضرورة دخولهما الى المنزل ، قائلا : بامكان طلبى ان يتاجل قليلا ... لكننى اظن ان الفلامنغو سيلقى اعجابك يا سنيوريتا .
اضاف بنبرة فيها سخرية هادئة : وربما يثبت ان له ميزة خاصة اكثر من مهارة مصارع الثيران .. ومن مساوىء اسلافى القدامى !




يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:03 pm

الفصل الخامس

تعلمت الدرس 0
كان ميغيل اول من قابلهما حين دخلا الصالة الخارجية ..ديدى.. فظهرت عليه الدهشة ثم ارتبك واسرع الى الامام : يا سنيور لم نكن متاكدين ما اذا كنت ... لكننى ساخبر سنيورا بيلار بان ..ليلاس...
اوقفه الكونت بايماءه قصيرة : لاحاجة لذلك ! شكرا يا ميغيل ..ديدى..
التفت الى غريتا وهز راسه بايماءه تعرفها الان جيدا ، لتتحرك دون كلام الى جانبه نحو غرفة الطعام ..ليلاس..
كان هناك حديث طويل مرح فى الغرفة المكسوة الجدران بالخشب الاسود اللامع ... كان هناك مالا يقل عن خمسة وعشرين شخصا يتجمعون حول طاولة طويلة مصقولة تلمع بالفضة والكريستال ..ليلاس..0
احست غريتا على الفور بالاصوات تتوقف ، والعيون تتجه اليها وهى تدخل ... وبشكل غريزى احست انهم لاحظوا انها ترتدى الفستان المرجانى بغير اكمام ، ذلك الذى كانت ترتديه فى الكوريدا ، والكونت بالبذلة الخفيفة ..ديدى.. ولو انه احس باى شئ ، فهو لم يسمح بان يزعجه ... قادها بحزم الى حيث تجلس دونا ايزابيلا ومضيفتهم دونا بيلار ...
اخذ يد كل واحدة منهما بدورها يرفعها الى شفتيه مبتسما ابتسامة ساحرة لا تقاومها انثى 0 وقال بنعومة : الف عذر! سوف تسامحانا على وصولنا متاخرين 0 لكن السنيوريتا كانت متضايقة فى الكوريدا ، فكان من الضرورى ان تسعى الى الهدوء لبعض الوقت . وهى الان اسفة جدا لمقاطعتنا لكم بملابسنا هذه .
احنى راسه وضاعت كلماته الاخيرة فى زحام اجابة السيدتين معا ...
وبدا عليهما تعبيرات الاهتمام الحقيقى 0 وهما تحتجان على اعتذاره وتستديران الى غريتا لتبديا الحزن على انزعجها ، والسبب بالطبع هى الحرارة والاصوات . فالسنيوريتا الصغيرة لم تعتد بعد على طقسنا ... وهل هى واثقة انها بخير تمام الان .... ؟
كان كل هذا غامرا وشعرت غريتا وكانها مخادعة ..ليلاس.. على اى حال لم يكن هناك ما تفعله سوى الابتسام والشكر لهما ثم اخذت مكانها المخصص لها على المائدة .
بعد تبادل حديث قصير مهذب مع جارها من ناحية اليسار ، صمتت غريتا ... فلا يزال امامها الكثير لتفكر فيه وهى تسترجع احداث اليوم ....
-انت هادئة جدا !
اجفلها صوت الكونت : اسفة سنيور ..ديدى.. كنت افكر ... هل قلت شيئا ؟
-لا ... لا تعتذرى ، انه تغيير منعش ان يجد المرء امرأة تعطى الصمت حق قدرة !
احست بلون السعادة الدافئ يتصاعد الى وجهها ، ونظرت الى كاسها ... فقال : فاكهة ؟
ترددت امام سلة الفاكهة المكومة التى قدمها اليها ، تتطلع بعجب الى ما هو غريب بين العنب والخوخ والتفاح الاحمر المالوف لها 0
واسترسل قائلا بوقار : جربى " تشيريمويا " فلها لب ابيض شديد الحلاوة ، او هذه " الغراناديلا " انها ثمرة " زهرة الالام " 0
اجفلها احساسها بكلمته فاختارت التشيريمويا لتكتشف انها كما قال بيضاء ولذيذة للغاية ... وطيبة المذاق كثيرا 0
اخذ الكونت خوخة ، يقشرها ببراعة بسكين بجوار طبقة ، ووجدت نفسها مرة اخرى تراقب يديه .... توقفت الاصابع ، وشئ ما رفع نظرها .
كان فى العينين السودواين الفاحصتين ما صدمها ..ليلاس.. اجبرت نفسها على ان تبتسم 0
-انا ... انا لن استطيع تقشير خوخة هكذا ... دون ان استحم بعصيرها .
قال متسليا : على الرجل الا يسمح لنفسه ان تسيطر عليه فاكهة كروية كهذه 0
ابتسمت ومدت يدها بسرعة الى تفاحة 0كان التعامل معها سهلا ،ورفضت بحزم ان تترك نظرها يعود الى فلكه المثير 0
عندما انتهت اخيرا وجبة الطعام الطويلة كانت غريتا مشدودة باحاسيس رائعة مترقبة ، وارتجف قلبها بقليل من التوتر مع وقوف الكونت حين وقفت ، وسحب لها الكرسى الى الوراء0
سال : هل سترقصين يا سنيوريتا ؟
-اجل ... بعد ان اغير ملابسى واتاكد من وجود كارلوس فى فراشة بامان 0
اوما براسه : حتى ذلك الوقت ... يا سنيوريتا .
وانتظر حتى مرت به قبل ان يلتفت لضيف اخر .
كان وجه غريتا مشرقا وعيناها لامعتان عندما واجهت المرآة الصغيرة فى غرفتها ... كل شئ سيبدو رائعا ... كان ينبغى الا تشك لحظة واحدة فى قرارها القبول بالعمل ... لم تخذلها احاسيسها هذه المرة ولن تجد صاحب عمل يتميز باللطف واللباقة مثله مع ان فيه شئ من التسلط والتحكم فى بعض الاحيان ...كان العيب الوحيد هو استريلا ..ديدى.. والحمد لله انها ليست فردا من عشيرة غاريسا !
بسرعة ارتدت فستانا ابيض من الفوال على ياقته تطريز فضى ، واسعا ناعما كالضباب ... يبدو ان الكونت سوف يرقص ...وستكون تجربة رائعة ان ترقص فى الهواء الطلق ليلا وتحت النجوم ، وهذا شئ نادرا ما يسمح به طقس انكلترا ... ترى كيف يبدو الكونت كرفيق رقص ؟
عليها اولا ان تجد كارلوتا 0
تناهى صوت الموسيقى فى الليل وامتزج باريج الورود البيضاء التى تملا القاعة الكبيرة وهى تهبط السلم ... تمتزج مع دخان السجائر المتصاعد من باب الصالة المفتوح حيث يجتمع بعض الرجال ... وترددت خطوات غريتا قليلا ، بينما التفت كثير من الرجال ليراقبوا تلك الفتاة النحيلة الذهبية الشعر التى بدت وكانها تطفو وسط سحابة فضية بيضاء نحو الابواب العريضة المفتوحة عند الشرفة 0
كان يوجد عدد من الراقصين فقط ... بينما كان الاخرين يقفون ، او يجلسون فى حديقة التراس ... تحت اضواء المصابيح ، رات جسد الكونت الطويل ، فى بذلة سهرة بلون الكريم وبنطلون اسود انيق بدا وكانه يزيده طولا . كان يتحدث مع تيريستا واستريلا ... عندئذ تجهمت وابتعدت الى التعريشات حول التراس ... لم تعثر على اثر لميغيل او كارلوتا ، لكن اين هما ؟ فما ان يبتعد المرء عن الانوار حتى يختفى بين طيات الظلام . تنهدت غريتا بسخط ثم رجعت ... لكن ماذا لو عثر عليهما شخص اخر غير متعاطف بطريق الصدفة ؟ يرزت من الظل ولمحتها استريلا على الفور 0
-كنا نبحث عنك ... او فى الحقيقة كايل كان يبحث عنك .
بدا لها انها فى بداية مؤامرة ما خلال تلك الليلة ، فقد رقصت معه ... هى انجليزية ، وهو انجليزى ... لذا لابد من وجود اشياء كثيرة كشتركة يتحدثان عنها ، ولابد من تجاذبهما معا ... وضحك كايل بنعومة وكانه ادرك مغزى افكارها 0
-من الافضل ان تستسلمى ... لقد ارتبطت الان معى . رضيت بهذا ام لا 0
ردت بخشونة : انت ربطت نفسك ، شئت ام ابيت .
-انا مستعد لهذا ... هل اقول لك سرا ؟
-اذن لن يصبح سرا بعد ذلك .
قرب فمه من اذنها : انه لشئ رائع ان احتوى فتاة انجليزية هادئة جميلة بين ذراعى مجددا .
-آه ... وها تعبت ذراعاك من الجمال الاسمر ؟
تاوة بسخرية : فى الواقع ، كانت حياتى نظيفة خلال السنوات الثلاثة الماضية ، يا الهى انهم يحرسون بناتهم وكانهن الجواهر ....
-قد يكون لديهم اسبابهم وانت موجود هنا .
-وهل هذا تعاطف ؟
-لا...بل بحث عن الحقيقة .
-اتعنين ان الرجل لا يقول الحقيقة ابدا ؟
-وهل يفعل ؟
-دائما !
ضحكت .... وقالت : اخبرنى عن عملك
دون تردد انطلق يسرد لها حياته اليومية كمدير مزرعة .. وهى تصغى اليه ادركت جو المرح الخفيف الذى اظهره عندما بدا يرقص معها ، ولاشك انه رجل صلب قادر ، وقوى جدا .. مع ذلك فلا اثر للتفاخر ولا لخشونة فارس المزرعة ، وعرفت انه يحب عمله حقا 0
ثم لمحت فجاة كارلوتا من فوق كتفى كايل العريضتين .. كانت ترقص مع خالها وبدت بين ذراعيه صغيرة جميلة وهادئة ، وكانها احست بنظرة غريتا فرفعت راسها تبتسم لها .. وتنهدت غريتا بارتياح .. لم يكن هناك اثر لميغيل بين الراقصين ، والكونت هو الرفيق الاكثر امنا لابنة اخته 0
سمعت كايل يقول : فى وقت ما يستهوينى التجول بك لتتفرجى على المكان هنا .
-ساحب هذا 0
-هل تجيدين ركوب الخيل ؟
-لااعرف سوى ركوب السيارات 0
يجب انت نتدبر شيئا .. وبالطبع ، الافضل ان تاتى معى فى عطلة نهاية الاسبوع .. فهذا هو الوقت الوحيد المناسب .. لكن ..
-فى منزلك ؟
-لدى منزلى الخاص ، مع اثنين يعيشان معى .. كاميلا ، مدبرة المنزل وزوجها لوبيز يقوم بالاعمال المختلفة .. هكذا ، مارايك ان تقضى معى يوما ؟ سترتفع الحواجب الى السماء هنا لو امضيت عطلة اسبوع معى 0
-شكرا لك ... ساحب هذا 0
-فى الاسبوع القادم اذن ؟ عظيم .. لكن يجب ان تخرجى مبكرا ، والا ستقضين نصف النهار فى السفر ...
كانت تريتسا قد لمحتهما واقتربت منهما بابتسامة حزينة : انت وكايل لديكما الكثير تتحدثان عنه .. سوف يتجول بك فى ليما ويقدمك الى اصدقاء انكليز اخرين 0
التفتت عندما اقتربت اختها بينما رافق استريلا رجل مكتنز داكن القسمات يدعى غوميز ابتسامته وقحة . وانحنى بطريقة رسمية لتيريستا ، واخذها من المجموعة الصغيرة
راقبتهما استريلا وعبوس خفيف بين حاجبيها الكثيفين ، ثم قالت دون مقدمات : اين كارلوتا ؟
-كانت هنا منذ لحظات .. ترقص مع خالها 0
نظرت استريلا من الشرفة .. كانت الموسيقى قد توقفت ولا اثر لكارلوتا .. ولحسن الحظ لا اثر للكونت ايضا 0 وقالت غريتا : هل ترغبين فى ان ابحث عنها ؟
دون توقع ، ابتسمت استريلا ابتسامة واسعة لغريتا : لا .. ابقى مع كايل .. لاشك ان من المثير لك ان تسافرى مسافات بعيدة لتلتقى بشخص قد يكون جارك ومن بلدك .. وابتعدت استريلا تبحث عن كارلوتا ونظر كايل الى غريتا هامسا : لا تبدين واثقة جدا0
لم تبتسم لنبرته الهامسة : لا .. ليس الامر هكذا .. يا كايل ، اشعر بالقلق لاننى مسؤولة عن كارلوتا .. ولسبب ما ، يبدو ان استريلا تكرهها .. وانا ..
امسك ذراعها ووقف : اعرف .. انت خائفة من عبث القلوب الشابة .. وهذا امر محرم تماما !
ومرر اصبعه على عنقه بشكل درامى .. وقادها الى خارج دائرة الانوار :
-تعالى .. سنجد هذين الغبيين الشابين ، اينما كانا .. من هو الشاب ؟
هزت راسها ، هذا سر عليها كتمانه حتى لو انها تخشى ان تكون استريلا قد عرفته منذ زمن ..
بدا انه قد اعتاد جيدا على الطبيعة الجغرافية لااراضى بيلار..
واماكنها المنزوية الامنة التى تدعو العشاق الى الهرب من الجميع ، واخذ كايل يبحث وكانه كارة لمثل هذا التطفل .. ثم جذبها بعيدا تحت ظلال الاشجار الكثيفة .. وبعد لحظة ظهر فستان كارلوتا الابيض كالاشباح يطير فوق الممر الرئيسى للحديقة .. وطيف ميغيل القاتم يتحرك فى الممر المقابل 0
قال كايل وهو يتاهب للتحرك : ارايت .. من الافضل الا تقولى شيئا .. فلقد تلقيا صدمة وسوف يصيبهما الذعر ولن يفعلا شيئا الليلة 0
-اجل .. انا لم افكر بهذه الطريقة 0
مسكينة كارلوتا .. ستكون مذعورة جدا ! ولامست ذراع كايل : لن تخبر احد بهذا .. اليس كذلك ؟ اعرف اننى يجب ان امنع غرامها الصغير هذا ، لكن قلبى لايطاوعنى .. ومن الظلم الا يسمح لها باختيار اصدقائها .. اعنى ان التقاليد جيدة ، لكن هناك حدود .. كيف تتعلم الحكم على الطبيعة البشرية نفسها ؟
-ليست مضطرة .. فهذا يقرر عنها ..
-لن اقبل مثل هذا الزواج .. وافضل الا اتزوج ابدا 0
-تربيتك انت مختلفة .. يجب ان تتذكرى هذا فى تعاملك معها .. يجب ان تدركى انها تالفت منذ طفولتها ان تتقبل نموذجا مختلفا عما تربيت انت عليه .. ولو اعطيت حريتك ،اشك فى سعادتها بها 0
-لكن انا واثقة ان حرية المرء فى اختيار اصدقائه تؤهلة للحكم على الشخصيات 0
-موافق .. لكن لو كنت مكانها لبقيت بعيدا عن اى نزاع ، ومهما فعلت لاتتورطى بخصوصياتهم .. فلا احد غيرهم يدرك حقا مدى ردود افعالهم .. قد تجدين نفسك متورطة فى صراع عائلى 0
شئ ما فى نبرته جعلها تتعثر فى خطواتها ، ورفعت نظرها اليه قائلة : تبدو وكانك تحدثنى عن تجربة شخصية 0
-هذا صحيح .. لذا خذى بنصيحتى ، لو كنت تفكرين فى مساعدة الشباب .. انسى الامر ..
وضع ذراعه على كتفيها ، ثم قال بخفة : يجب ان اعود الان .. متى ساراك مجددا ؟
قالت بنفس طريقته : ظننت اننا اتفقنا على نهاية الاسبوع القادم 0
-اجل .. اعرف ، لكننى تساءلت اذ كنت ستذهبين الى المدينة فى وسط الاسبوع 0
قالت ببطء : ربما يجب ان يظل لقائنا فى نهاية الاسبوع ، فانا لست واثقة متى تسمح الظروف ؟!
-الى نهاية الاسبوع القادم اذن .. موتشو بونيو ، يا سنيوريتا !
سطعت اضواء الحديقة الناعمة على وجهها المستدير وتاهبت للرد .. لكنها لم تقل شيئا ، فقد وقع فى طريقها طيف اسود ، وتوقف الكونت 0
قال بادب رسمى : هل تستمتعين بالليل يا سنيوريتا ؟
احست بامتقاع وجهها ، وارادت التخلص من الذراع الصديقة حول كتفيها .. لكنها اضطرت ان تظل رابطة الجاش وتقول بثبات : كثيرا يا سنيور ، انها امسية جميلة 0
-بونيو 0
هز راسه نحو كايل بتحفظ ، ثم ابتعد .. وراقبته غريتا دون ان تلاحظ ان كايل ابعد يده عن كتفيها . وهمست : جيد !
لكن لاشئ كان جيدا 0
عادت المجموعة الى الفيلا مبكرا صباح الاثنين ولم تندم غريتا على ما حدث فى نهاية الاسبوع . كان يوم الاحد حارا بشكل لايحتمل ، واشتاقت لكايل سكوفيلد .. وكانت هذه هى المرة الاولى التى تحس فيها انها بين غرباء ، وبدا هذا الاحساس مثيرا للاضطراب 0
افرغت حقيبتها الصغيرة وحاولت ان تصرف ما يدور فى تفكيرها .. كان من الواضح جدا ان الكونت اعتبرها تعبث مع كايل تحت ظلال الاشجار فى الحديقة .. وقبلها بساعات كان يملى عليها محاضرة فى طريقة التصرف مستقبلا .. لم يترك لها ادنى شك فى رايه الصريح بالانثى غير المطيعة ... " نحن لانحترم" .
لكنها مختلفة عنهم .. وكايل انكليزى .. فباى وجه حق يزدريها الكونت ؟ هل ظن ان كايل كان ينوى شيئا لمجرد وضع ذراعه على كتفيها 0
-تبدين غاضبة غريتا .. ماذا يزعجك ؟
استدارت .. كانت كارلوتا قد اقتربت من الباب نصف المفتوح ،ونظرت الى الداخل .. وابتسمت غريتا على مضض : مجرد افكار .. اين كارلوس ؟
-فى دروسه .. لدينا راحة لساعة او اكثر . هل استمتعت بعطلة نهاية الاسبوع ؟ -بعضها ..او معظمها .. وانت ؟
تنهدت كارلوتا : انا سعيدة جدا ، لم يرنا احد سواك والسيد سكوفيلد ، لن يفشى سرنا .. اليس كذلك ؟
-لن يغدر باحد .. لكنك تخاطرين كثيرا .. هل ظننت ان الحديقة لك وحدك ؟ ماذا لو كانت استريلا بدلا منى ؟
ضحكت : اى رجل قد يختار استريلا لنزهة فى ضوء القمر ؟ ان لها طبع سئ .. وانا لا اعتبرها جميلة ، انها ترغب ان تكون كونتيسة ، اتعرفين هذا ؟ لكننى لااظن ان خالى سيختارها ، احيانا اظن انه لن يختار احد 0
ظلت غريتا صامتة ونظرت الى الحقيبة الفارغة ، ثم اقفلتها بعصبية .. قالت كارلوتا : هل تذكرين دون غوميز ؟
-اظن ذلك 0
-انه ليس طويل القامة مثل خالى لكنه ثرى ،وهو ليس عجوزا جدا .. انه يتمنى الزواج من تيريستا 0
اكتسى وجه غريتا بتعبير وافقتها كارلوتا عليه ، تهز راسها بحزن : اجل .. فعائلتها موافقة .. انه ثرى جدا ، وعندما تموت امه سيرث كل املاكها
تمتمت غريتا : مسكينة يا تيريستا 0
–لم تقرر بعد ، لكن هذا امر مؤسف .. لم تعد فتاة ،وقد لاياتيها الكثير من الفرص .. ولا اظنها تملك " دوطة " كبيرة لان زوجها الراحل لم يكن غنيا 0
تنهدت غريتا بعمق : يدهشنى انهم سمحوا لها بالزواج منه .. نظرا لقيم الزواج عندكم 0
قالت كارلوتا بصبر : انت لاتفهمين .. المسالة ببساطة ان العائلات التى تهتم بسعادة بناتها ، تختار لهن الازواج الذين يستطيعون اعالتهن .. ولذلك لم توافق العائلة على اختيار تيريستا ..
–لكنها كانت سعيدة فى زواجها ..
تنهدت كارلوتا موافقة واقتربت من النافذة .. ثم سالت بعد لحظة : هل اعجبك سنيور سكوفيلد ؟
-اجل اظن ذلك
–يبدو لطيفا جدا .. سيكون من المثير ان يقع فى حبك 0
-آه .. لا.. لن يحدث هذا 0
–ولماذا لا ؟ فهو جذاب واظنه معجب بك ، وقد تقعين انت فى حبه وتكونين سعيدة مثلى .. لقد سعدت كثيرا فى عطلة الاسبوع هذه 0
–حسنا .. ركزى على سعادتك واتركينى وكايل سكوفيلد ، فنحن انكليزيان ومن الطبيعى ان نتحدث معا وهذا لايعنى اننا سنسقط راسا على عقب فى الحب 0
امالت كارلوتا راسها جانبا وتفرست طويلا ، بتفكير : وهل تحبين احد غيره ؟
-لا 0
– اتعنين ان لاوجود لرجل يجعلك .. كيف تقولين .. ؟ ترتجفين بقشعريرة لمجرد التفكير فيه ؟
-بكل تاكيد لا .. وليس هذا هو الحب يا حبيبتى فهو ليس مجرد قشعريرة على الظهر0
-ربما لا.. لكنها لذيذة اليس كذلك ؟
-دون شك .. لكن لايمكن للمرء ان يقضى حياته مستمتعا بتلك القشعريرة ..هناك اوجه اخرى للحياة .. هل افرغت حقيبتك يا كارلوتا ؟
-لقد فعلت كارميلا ذلك منى .. وطلبت ان ترسلى لها الغسيل .. لماذا غيرت الموضوع غريتا ؟
- الحب والقشعريرة لايناسبان صباح الاثنين .. لكنك لاتعرفين شيئا عن هذا 0
–اظن ان هناك رجلا .. لكنك لاتريدين ان تخبرينى 0
–لاشئ اقوله ..ولو كان فى حياتى شخص من بلادى فهل كنت اقدر على فراقه ؟ !
يبدو ان كارلوتا لم تقتنع .. واسترسلت غريتا : وانا لم يمض على هنا زمن طويل لاقع فى حب احد 0
قالت كارلوتا وكلها امل : لا.. هذا صحيح ، ربما .. لكن من يدرى ؟ قد تقابلين شخصا مثيرا بمعجزة .. لميغيل صديق يعرف احد مغنين فى " لاس كاستنبو لاس روجاس " .. هل تتطلعين شوقا لزيارتنا الى هناك ؟
- جدا 0
انقضى اليومان بشكل غريب ببطء .. كان الاسبوع قد بدا بهدوء ، وساد الفيلا صمت مطلق اكثر من العادة .. كانت دونا ايزابيلا مرهقة بعد عودتها ومكثت معظم وقتها فى غرفتها .. ثم وقع كارلوس ليجرح ركبتيه ، وبعد . ساعات من العودة سافر الكونت على الفور لاتمام بعض الاعمال التى لم تنته بعد . وبالطبع ذهب ميغيل معه .. وبعد ظهر الاربعاء كانت كارلوتا مقتنعة بان القدر سياخرهما ، وان ميغيل لن يعود فى الوقت المحدد 0
اصيبت غريتا بعدوى هذه اللهفة ، وانتظرت بفارغ الصبر .. عندما اتجهت السيارة الانيقة القوية الى الطريق الداخلى للفيلا ، وظهر منها الطيف الطويل الرشيق ، تنهدت بارتياح 0
تقدم كارلوس وهو يعرج للقائهما .. لكن غريتا ظلت مكانها تحت ظل تعريشة مليئة بالزهور الحمراء ، وردت تحيته الرسمية برسمية مماثلة 0
بعد اقل من ساعة ، غادر الفيلا مجددا .. ماهى المنة التى سيطلبها منها ؟ كانت تفكر فى ذلك عند استعدادها للخروج .. قال لها انه سيبحث الامر معها لاحقا .. وكان هذا منذ اربعة ايام ، ربما لم تكن مسالة مهمة .. وربما نسيها لعدم اهميتها .. ثبتت قرطا من الكريستال فى اذنيها واستدارت لتحكم على مظهر كارلوتا
انتظرت بترقب ، متجهمة لاشعوريا .. وقالت غريتا بصدق تام : تبدين جميلة .. انا وميغيل سوف نبقيك الليلة تحت حراسة مشددة 0
–حقا ؟ وهل ابدو .. كبيرة ؟
-عشرون على الاقل 0
-بونيو ! كثيرا ما تمنيت ان اكون اطول قامة ، وانت كذلك تبدين رائعة غريتا .. تعالى ودعينا نذهب قبل ان يغير احد رايه 0
كان الاحساس بالحرية كانه حلم .. وقاد ميغيل سيارة صغيرة مكشوفة بسرعة مذهلة وعبث الهواء بشعر الفتاتين وجعلهما تضحكان ، حتى تهدجت انفاسهما عندما وصلا الى المطعم المنزوى المفضل لاهل المنطقة .. كان الجو هادئا وحميما ، والطعام ممتازا ، وميغيل مضيفا لطيفا برغم انه بدا رسميا قليلا مع غريتا فى بداية الامر .. لكن سرعان ما استرخوا ، ونسوا الرسميات 0
تمتعوا بالعشاء على مهل ، ثم ساروا تلك المسافة القصيرة الى لاس كاستا نيولاس روجاس ، الذى يبدو مثل كل اماكن الاحتفالات الليلية فى العالم ، لن تظهر روعته الا بعد تقدم ساعات الليل وتدفق الناس اليه 0
بعد قليل صار مكتظا .. وارتفعت موجات الحرارة ، عندئذ لوحت غريتا بكتيب البرنامج امام وجهها الساخن .. تتساءل كيف يحافظ الراقصون على حركاتهم .. لكن ، بالرغم من الوان الفتيات اكتسب الرجل الذى يرقص اعجاب المشاهدين 0
حين اضيئت الانوار وماتت ذروة التصفيق والهاتف ، التفتت غريتا الى رفيقيها . فابتسما سرورا وقالت كارلوتا : آه .. انتظرى حتى تسمعى الفلامينغو .. خوليو هو الافضل بين الجميع 0
وعزفت انغام الغيتار اول اغنية حركت مشاعر الحزن .. ونسيت غريتا كل افكارها .. لكنها واجهت صدمة كبرى عندما انتهت قصة الاغنية فقد اكتشفت اختفاء كارلوتا وميغيل 0
كان الفلامينغو اخر عرض مسرحى . وانصرف الجميع لعروض اخرى .. وتحركت غريتا تخرج من المقصورة تقتفى اثر رفيقيها . راتهما يدخلان باب الشرفة عند اول السلم .. وعلى وجه كارلوتا شعاع احمر قاتم ، فى تلك اللحظات ، سحبت يدها من يده ، وتقدمت غريتا الى الامام .. وقبل ان تتمكن من الخروج من بين الجموع التى تسد طريقها ، راى رجل طويل انيق ميغيل والتفت اليه يحييه
ازعج غريتا احساس بالقلق لم تعرف نوعيته وهى تصل الى المجموعة الصغيرة ، وقدمت الى الغريب الانيق الذى يعتبر الصديق المشترك لميغيل والمغنى خوليو الذى ذكرته كارلوتا سابقا 0
انحنى السنيور غونزاغو على يد غريتا واعلن انه مفتون لمقابلته سنيوريتا انجليزية .. وماهى الا فترة قصيرة حتى وجدت غريتا نفسها مع كارلوتا وميغيل ، يتوجهون خلف المسرح لزيارة غرفة المغنى والتعرف عليه. كان ساحرا رومانسيا للغاية .. وقد ابدى هو ايضا فتنته لتعرفة على "الفتاة الانجليزية" ودعاهم للعودة كضيوف له ثم جذبه معجبوه وهم فى طريقهم الى حفلة 0
ولم تلاحظ السنيور غونزاغو قد زج بنفسه فى مجموعتهم الصغيرة ، حين ادركت هذا لم يكن هناك وقت للتراجع . فجلسوا الى طاولته .. لكن ترتيب السهرة اصبح واضحا حين طلبها ميغيل بادب الى الرقص 0
لاشك اننى اصبحت بليدة الفهم ! هكذا فكرت وهى تنزلق بين ذراعى السنيور غونزاغو الخبيرتين على حلبة الرقص . الان اصبح العدد متوازنا ، ولم تعد بينهما حواجز .. اى حال السنيور غونزاغو راقص ماهر ، فكيف تنسحب وتفسد تلك الساعة الجميلة لكارلوتا ؟
بعد قليل من الوقت ، كان على وشك يزيل كل تحفظات غريتا .. لكن ظل هناك شئ من القلق ، فقد تخيلته يضمها اليه بقوة .. وعليها ان تضع حدا لذلك . وستصر على ان يعيدهما ميغيل فورا الى المنزل .. نصف ساعة اخرى وتتحرك السيارة بهم .. عند منتصف الليل .. ولم يكن لديها فكرة عن النظام الذى يحكم سهر كارلوتا خارج المنزل .. ولم يخطر ببالها هذا السؤال ، ولم تفكر ان تتاكد .. ياللسماء !0
– ارجوك لاتقلقى يا سنيوريتا .. فقد اخفيا الامر 0
–ارجو عفوك ؟
اعادها صوت رفيقها الهادئ من افكارها ، ونظرت الى وجهه فكرر 0
- ذكرت انهما تكتما الامر تماما .. انت تاخذين واجباتك نحو الدونا بشكل جاد للغاية .. اليس كذلك يا سنيوريتا ؟ لكن حبك الانكليزى للحرية يجعلك متفهمة لمشاعر شابين تفرق بينهما تقاليد بالية 0
ضاق حاجبا غريتا الرفيعين : لست واثقة مما تعنى يا سنيور 0
- آه .. هيا الان سنيوريتا .. على المرء ان ينظر اليهما ليفهم .. من المؤسف الا يسمح لهذا الحب ان يثمر0
احست بالذعر، كم من الناس غيره عرفوا بسر المسكينة كارلوتا ؟ استريلا تشك بالتاكيد . ولقد عرف كايل .. والان هذا الغريب ، وكم سيمضى من الوقت حتى يصل الخبر الى اذن الكونت ؟
قالت بارتباك وهى تحاول ان تضحك : انت مخطئ تماما يا سنيور .. فكارلوتا ترافقنى الليلة 0
- انت ؟
ضحك بطلاقة وطوقها بذراعه بشدة 0
- فتاة انجليزية مع مرافقة ؟ وفى وقت يعرف فيه العالم كله ان الفتاة الانجليزية تفعل ما تشاء ، وتذهب حيثما تشاء ، ومع من تشاء .. آه .. هذه نكتة جيدة .. لكن ، لاتقلقى الامر كما ذكرت تماما .. يحتاج الى روح الكتمان 0
احنى راسه اليها متمتما : انزعى هذا العبوس المتوتر .. ودعينا نتمتع بالامسية 0
امام رعبها ، اخذ يسمعها كثيرا من الاطراءات المثيرة للسخط .. حتى احست غريتا بعذاب الحرج 0
وسمعته يقول : ارجوك سنيوريتا لاتجعلينى ابدو كالاحمق امام الناس 0
ردت بحدة : عليك الا تحرجنى اكثر من هذا ، والا لن يكون لدى خيار سوى ان اجعل من كلينا احمقين 0
رد عليها بنبرة التزام : فى هذه الحالة يا سنيوريتا ، سننهى الرقص ، واعيدك الى رفيقك 0
مع ذلك استمرت يده تضغط على ظهرها .. واخير لم تحتمل لحظة اخرى .. وهى تكاد تبكى ، انتزعت نفسها من حلبة الرقص بلا مبالاة بالرؤوس المستديرة نحوها ، وركضت لتبتعد ..
مسحت عينيها غاضبة باذلال ، دون ان ترى كارلوتا وميغيل .. يجب ان تجدهما بسرعة .. قبل .. عضت شفتها شاهقة .. آه !
صاحت بصوت مرتفع حين امسكت ذراعها والتفتت تاهبا لمواجهة السيد غونزاغو والشجار معه للتخلص منه .. ثم اتسعت عيناها ، وتغيير قلقها الى فزع وهى ترى الرجل الطويل الغاضب يقف منتصبا امامها 0
قال الكونت ببرود : عرض فاتن
سلبت الصدمة قدرتها على النطق مؤقتا .. اى جنى جاء به فى هذا الوقت بالذات ؟
لم يتمهل حتى تهدا بل ضغط باصابعه كالحديد على ذراعها ..وقال بصوت متجهم : سنغادر الان 0
دفعها الى الامام 0
اعادت اليها الحركة رشدها وقالت بجنون : لا .. ! ليس بعد .. يجب ان اجد ..
- اذا كنت تشيرين الى ابنة اختى وسكرتيرى المتهور ، بامكانك نسيان الفكرة .. لقد اهتممت بهذا 0
شئ ما فى لهجته جعلها ترتجف .. ماالذى حدث ؟ اين هى كارلوتا ؟ وحاولت ان تتكلم لكنه قاطعها بادب جاف : ارجوك يا سنيوريتا .. كارلوتا تنتظر فى السيارة .. هل معك معطف ؟
-نعم ولكن ..
–اذهبى واحضريه ثم عودى الى هنا 0
-انا .. اجل .. لكنه ليس هنا .. لقد تركته فى سيارة ميغيل .. انها ليلة دافئة ، وانا ..
- محفظتك معك .. تعالى سنيوريتا
0ظلت اصابعه القاسية حول ذراعها .. وكانها احدى الجوارى او قطعة اثاث يعيدها الى مكانها فى منزله .. وفتح لها الباب ووضعها فى الداخل .. ثم قاد السيارة فورا متجها الى الطريق الرئيسى بعيدا عن وسط المدينة ، واستدارت اليه فجاة تحاول الشرح : لكن يا سنيور .. هل يعرف ميغيل ان ..
–انه سيرجع بسيارته .. احدى الخادمات ستعيد لك معطفك على وجه السرعة 0
احمر خداها عندما تذكرت ما حدث وسرتها العتمة داخل السيارة .. منذ متى يقف هناك يراقب محاولاتها للابتعاد عن اهتمام سنيور غونزاغو بها ؟ هل يظن انها شجعته؟
اشتاقت للحديث مع كارلوتا .. تحس ان صمت الجسد الصغير فى الظل يعنى التعاسة .. لكن جفاء الرجل الذى يقود السيارة كان عائقا ضد شجاعتها المرتجفة .. من الافضل الانتظار حتى تصبحان وحدهما 0
عندما وصلت السيارة الى الفيلا ، خرج منها الكونت بسرعة وفتح الباب ليخرج ابنة اخته بامر باتر ويرسلها الى الداخل ..
لكن الهرب لم يكن سهلا امام غريتا ، فقد اغلق الكونت الباب بقوة : لحظة واحدة يا سنيوريتا .. هناك شئ اود قوله 0
هبط الرعب كثقل الرصاص على روحها المعنوية وهى تدخل امامه الى "الصالة " واضح انها كسرت القوانين ..
قال متجهما : حسنا سنيوريتا .. الازلت واثقة من قدرتك على العناية بنفسك ؟
حدقت فيه بدهشة ، كانت تتوقع استجوابا يتعلق بكارلوتا .. واحست بارتياح خفيف : لقد خضعت دائما معاركى الخاصة بنفسى يا سنيور ، وحاولت الا اسئ الحكم مرة اخرى0
-خطا فى الحكم ؟ يورديوس ! الا تدركين الخطر لاول وهلة ؟ ام انك لا تابهين بسمعتك ؟
قوة الكلمات ادارتها بحدة لتواجهه .. تنهدت بحدة ، ثم بللت شفتيها : انا لا اظن .. ان الامر ماساوى كما تتصور يا سنيور ولااظن ان موافقة شخص متهور سوف تشوه سمعتى .. على اى حال .. لقد قلت له رايى فيه تركته قبل ان تصل .. هكذا ..
امسك معصمها وهى تلوح بيدها : لازلت لاتفهمين .. انت لست فى بلادك يا سنيوريتا .. فتاة شابة غير مرتبطة تتعرض للعبث فى مكان عام امر لا اهمية له فى لندن .. لكن ذلك لايمكن تجاوزه فى مجتمعنا .. ربما انت لاتهتمين .. لكننى اهتم بالتاكيد 0
نظرت اليه غريتا والغضب يتحرك داخلها .. نظرت بحدة الى يده التى معصمها وجذبتها بقوة لتحررها.. ثم قالت ببرود : الم تنس شيئا سنيور ؟ انا الطرف المتضرر.. اضطررت الى التعامل مع ذئب ذو وجهين ينتمى الى مجتمع انت فخور به .. وينبغى ان اكون انا غاضبة 0
-ربما عليك ان تكونى اكثر مرحا فى المستقبل .. ما كان يجب ان تعرضى نفسك لمثل هذا من البداية 0
- وكيف اعرف ان هذا سيحدث ؟
- لقد سبق وحذرتك من الامبالاة والعبث ، ام ان ذاكرتك ضعيفة كحسن تصرفك ؟ .. لكن تاكدى ان الفرصة لن تتاح لك مرة اخرى .. ساهتم بهذا بنفسى .. كان يجب على ميغيل الا يسمح بمثل هذا الموقف ولا ان تتورط ابنة اختى فيه 0
- لكنها لم تكن متورطة !
– فى رايك ، ربما لا .. فى المرة القادمة لن تخرجى الا مع المرافق الذى اعينه انا .. والامر كذلك مع ابنة اختى .. اخشى انها تفكر بحماقة فى سكرتيرى على اى حال لابد
ان ارسله الى " هواروبا " لفترة ، وهذا سوف يزيل بالتاكيد اى هراء من راسها 0 اجتاحت عواطف غريتا تقلبات مجنونة .. اثار غضبها فى البداية بتسلطه وعجرفته ، ثم تغلب الرعب عليها وحاولت تخفف الضرر 0
مدت يديها متوسلة : آه .. لاسنيور انت مخطئ تماما .. انت ..
-كيف هذا ؟ اشرحى لى سنيوريتا 0
- لايجب ان تلوم كارلوتا ، او ان ترسل سكرتيرك بعيدا .. لاننى المسؤولة عن هذا الخطا .. لقد طلبت منها ان تاتى معى .. كانت فكرتى .. وتصرف ميغيل لاشائبه فيه .. –انه هو الذى قدمك الى ذلك " الجوغولو" زير النساء .. اليس كذلك ؟
والتوى فمه اشمئزازا 0
–اجل .. لم يكن لديه خيار .. لقد جاء غونزاغو وتحدث معنا .. فهو يعرفه .. وهكذا اخذنى الى الرقص .. بدا لى شخصا لطيفا فى البداية ، و.. لو لم يكن يرقص معى لكنا عددا مفردا .. ولايمكن لميغيل ان يراقصنى ويترك كارلوتا وحدها .. انها ..
–كان هدفكم مشاهدة الفلامنغو لا الرقص 0
هزت راسها بياس : اجل .. اعرف .. لكننى احب الرقص .. وبدا لى طبيعيا ان ارقص .. الا يمكن ان تفهم ؟
-ليس تماما .. انا لم اسمع بثلاثة خرجوا للرقص 0
استدارت عنه بعجز : لكن هذا ما حدث .. واكرر مجددا اننى المسئولة عن هذا الخطا .. ارجوك لاتلم سكرتيرك اوابنة اختك 0
ساد صمت قصير ، واستدارت .. لتجده يراقبها بعينين غير مقروئتين .. فتوسلت : ارجوك سنيور .. لاتؤذ كارلوتا .. ولا تلم ميغيل 0
على مضض ، ارتفع حاجباه الاسودان : وهل تحزنك هذه الفكرة يا سنيوريتا ؟
تنهدت بعمق 0
-انا اكرة الظلم ، ولهذا اطلب منك الا تكون متسرعا فى الحكم 0
وبعد لحظة صمت تحرك فجاة نحو الباب : حسن جدا ، سافكر فى الامر .. لكن تذكرى يا سنيوريتا ، لاتدعينى اراك مرة اخرى مع صحبة كهذه .. هل سمعت ؟
تنفست بقوة : آه ، اجل يا سنيور! لن اكون حمقاء مرة اخرى
رفع يده ليفتح الباب .. ثم رفع الاخرى ليلمس خصلة شعر تجعدت فوق جبينها .. حدق فيها بنظرة متفحصة فراى البقع الحمراء الحزينة التى كانت تحيط بخديها ، وقال بنعومة : ان دروس الخبرة هى الاكثر الما .. اليس كذلك ؟ خاصة عندما يضطر المرء الى الاعتراف بانه تعلم الدرس 0
– اجل سنيور .. فالاعتراف هو الاكثر الما 0
رفع راسه وفتح الباب .. وخلال صعودها للسلم ، كانت تحس به يقف يراقبها من تحت حتى توارت عن نظره فى منعطف الرواق العلوى .. كانت ترتجف كثيرا حين وصلت الى غرفتها ، وسمحت للتوتر ان يتوارى .. شكرا للسماء فقد اقنعته بان شكه فى افكار كارلوتا لااساس له . عندئذ احست بالارتياح فابتسمت وهى تتاهب للنوم ..
لكن وهى مستلقية فى الظلمة فقد الميل للارتياح عزيمته ، واضطربت عيناها 0
وضعت راسها على الوسادة ، واسندت خدها على يدها .. بدا من الصعب ان تطرد من ذاكرتها ذلك الوجة المتسلط .. ليس القسمات وحدها ، بل الصوت كذلك .. واستعادت من ذاكرتها حديثه .. جملة واحدة قيلت بصوت منخفض منذ زمن بعيد : " لديك ميزة الصدق النادرة فى النساء .. ولهذه الميزة ، اتخذت قرارى .. وارجو ان يكون قرارا صائبا ..
الصدق ..
هل تخون الصفة التى تستطيع من خلالها ان تزيح عن نفسها اللوم فى بعض الاحيان ؟ احست بالحرارة تسرى فى خدها النائم فوق يدها .. وكان مزعجا ان يرافقها الاحساس بالخجل فى الفراش


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:05 pm

الفصل السادس

بين العقل والعاطفة
اقترب الاسبوع المضطرب من نهايته .. مع ان ميغيل ظل موجودا ولم يشر الكونت الى تهديده بابعاد سكرتيره ، الا ان الشك ظل قائما او هكذا تصورت غريتا
0كان واضحا ان الكونت وبخ بشدة ابنة اخته .. لكن ما قاله بالضبط ظل مشوشا ..ليلاس. الامر الاساسى الذى برز من كلامها عودة مسالة المدرسة السويسرية الى الجو ..ديدى
والفكرة كانت ترعب كارلوتا 0
قالت تجادل : لاافهم لماذا يريد معاقبتى ! لم تكن تلك غلطتى .. وانت لاتلومينى يا غريتا ، اليس كذلك ؟
- يا للسماء ! ولماذا الومك ؟
- هذا ما سالته ، لكنه استمر يتحدث كثيرا عن تهورنا ، انا وميغيل .. ومن يكون السنيور غونزاغو ، وكيف التقيت به .. فى البداية كنت ممتنة لانه لم يشك فى انا وميغيل ، ولم تكن لدى الجراة لابوح بشئ حتى لااخطئ .. ثم سال هل انا واثقة انها المرة الاولى التى تقابل فيها ذلك .. الرجل .. ثم بدا بالقول انه سيرسلنى الى المدرسة .. آه .. يا غريتا لن يرسلنى .. هل سيفعل ؟ ليس الان وانت هنا ؟
قالت غريتا ببطء : انه يظن بانك ستستفيدين من صحبة فتيات فى مثل عمرك ..ليلاس.
سيكون تغييرا مفيدا لك وفرصة رائعة للسفر الى اوروبا 0
–لكننى لا اريد التغيير .. ولا اريد زيارة اوروبا .. الان 0
–اذن يجب ان تحسنى التصرف .. وكذلك انا .. حتى تنتهى الازمة .. ومن الافضل ان تخبرى ميغيل بذلك 0
هزت كارلوتا راسها : اظن انه من الافضل الا نقابل غونزاغو مرة اخرى .. ديدى
مع ان الكونت كان هادئا مهذبا كعادته فى تصرفه مع غريتا ، الا انها احست الاستهجان من خلال نظرته لها . ام انها نظرة توحى بخيبة الامل ؟
فيما مضى ، كانت نظرة فيها شئ من خيبة الامل تثير غضبها وسخطها .. لكنها لم تفعل هذا الان .. والان فقط ادركت ضخامة المسؤولية التى يحملها .. نظريا اخذت
مه الكونتيسة على عاتقها العناية الابوية باليتيمين .. لكن الكونتيسة العجوز كانت تشيلية المولد ، ولاتتحمل رطوبة ليما ذات الطقس الشبة استوائى ، فكانت تمضى اكثر اوقاتها مع شقيقها وزوجته فى املاك للعائلة ولاتعود الا فى مناسبات عائلية ..ثم هناك دونا ايزابيلا الارملة المعتلة الصحة .. وهناك ايضا مستاجرو الاراضى والعمال . والان هناك ولدا شقيقته ليعتنى بهما .. فلا عجب اذن ان يتصف بالتسلط .. وان تمتد هذه السلطة اليا اليها 0
لم تاسف لغروب الشمس فى يوم الجمعة ، واصبحت حرة للتطلع قدما عطلة نهاية الاسبوع . سوف ياتى كايل لياخذها عقب الفطور مباشرة وستبتعد اليوم كله ، وتخطط لقضاء يوم احد تستكشف وحدها 0
فور انتهاء وجبة المساء اعتذرت لتخلد الى غرفتها . سوف تغسل شعرها بالشامبو وتمشطه قبل النوم .. لكن عليها اولا ان تختار ما ترتديه فى الغد ، وخرجت الى الشرفة تفكر بما لديها من ملابس 0
كان نسيم الليل لطيفا ياتى بهمس بارد من البحر ، والرقة والعذوبة من الزهور النائمة تحت فى العتمة .. تنهدت غريتا واستدارت الى السياج لتتلاشى مشكلة الفستان من ذهنها ويعود اليه احساسها الملح بالذنب ..
ربما من السخافة ان تتذكر الصدق فى هذا الشان لانها فى الحقيقة لم تتفق مع كارلوتا على خداع خالها .. ذلك الحب الرومانسى الرقيق لافائدة منه وهى واثقة من ذلك .. لكن هناك وجه اخر مهم كان قد غاب بالها تماما حتى الليلة : مسالة ارث كارلوتا . بالتاكيد لن ينسى الكونت هذا ومن الطبيعى ان يشك فى دافع الشاب الذى يهتم بابنة اخته 0
مسكين ميغيل .. لان غريتا واثقة انه مهتم حقا بكارلوتا .. لكن هل سيصدق الكونت هذا ابدا ؟
هزت راسها باسى وعلى شفتيها ابتسامة خفيفة ، فقد بدات تفكر فى الامر بجدية توازى جدية كارلوتا . وعادت الى مسالة عزلة كارلوتا .. ينبغى ان يكون لها الكثير من الصداقات من الجنسين فى مثل عمرها ، والا لما كان ذلك التعلق المجنون بالشاب الوحيد الذى عرفته عن قرب .. على اى حال من هو الشخص الذى يفكر فيه الكونت ليكون زوجا لها ؟
قطعت حركة مفاجئة فى الاسفل سيل افكارها . رات الطيف يقف مسمرا .. متاخرة جدا ، وقد انسحبت الى الوراء 0
–يا سنيوريتا ؟
توقف الكونت لينظر لاعلى وقد التقط شعره الاسود بريقا ازرق من مصدر مجهول .. تصاعدت الصورة الحية فى ذاكرة غريتا ، تسترجع اول صباح لها هنا .. وفرضت عيناه القويتان المشعتان الانصياع عليها .. وضحك : تماديت للغاية فى افكارك يا سنيوريتا .. حتى قاطعت سعادتك بالليل 0
امتزجت رائحة سيجارته بنعومة مع موجات صغيرة من روائح الزهور .. وقالت : اجل .. انها ليلة جميلة 0
–تقريبا بجمال الصباح ..
رفرفت امامها فراشة ، وتساءلت عما اذا كانت قد تخيلت لمحة شيطانية تمتزج بنبرته الناعمة .. ام ان مجرد خبث عفريت ما يجعلها تتذكر اول صباح فى هذا المكان؟
قالت بارتباك : لست واثقة يا سنيور .. من العسير مقارنتهما 0
-اجل .. هذا صحيح .. كما لا يتمكن المرء من مقارنة شعاع امرأة جميلة يبعث الحياة فى زهور الفجر بغموض المرأة ذاتها حين يخفى الليل جمالها وتعكس عيناها حبها
نبرة صوته حولت الملاحظة الى تواصل حسى غريب وكان لديها القوة لتثير الاضطراب . وتحركت غريتا بسرعة وكانها بذلك تقاوم الاحساس الغريب الذى اثارة فيها صوته .. وقالت ببرود : يبدو انك تعرف جيدا كيف نبدو فى الصباح الباكر فى الليل .. لكنك تتحدث بالطبع عن الالهة القديمة ، وليس عن مخلوق بشرى 0
ضحك بصوت عميق اجش ونظر اليها بتحد : انه تقرير شعرى .. وليس عن الالهة بالتاكيد .. هل تاخذين دائما كل شئ بحذافيره ؟
-احيانا يكون هذا اكثر امانا من قراءة ما بين السطور يا سنيور .. هناك شئ اود ان اسالك ..
قاطعها : آه .. اجل .. لكننى على وشك ان اعانى تشنجا فى عنقى .. هل لديك مانع من ان تنزلى لهذا المكان انواصل الحديث ؟
نظرت الى خطوطه المعتمة .. واحست بعمق بشبح ضحكة فترددت بدهشة . عندئذ جاءتها سخريته اللاذعة : هل انت خائفة من الظلام يا سنيوريتا ؟
تصلبت غريتا : ابدا !
توقفت لتاخذ معطفا خفيفا لكتفيها ، ونزلت متعمدة التمهل فى خطواتها .. ثم تحركت ببطء فى الردهة المظلمة 0
كان ينتظرها ، يستند بلا مبالاة على عامود من الرخام الابيض .. اخذ المعطف من على ذراعها ولفه حول كتفيها بتمهل 0
تمتمت : شكرا لك 0
قال بصوت متزن : كان هناك شئ تريدين ان تسالى عنه سنيوريتا ؟
لسبب ما احست بالارتباك .. وهذا ما جعلها تتعلثم قليلا فى كلماتها : اجل .. عطلة هذا الاسبوع .. اردت فقط ان اتاكد ..
–آه .. اجل .. انه وقت راحتك ، يبدو عليك قليلا من القلق سنيوريتا.. هل انت خائفة ان اقيد حريتك فجاة ؟
لم تتوقع شيئا من هذا وكشف ردها دهشتها : لا .. اردت فقط ان اخبرك باننى ساغيب الغد كله ويوم الاحد .. واذكرك بكارلوس ..
–وهل ستقضين ليلة الغد فى مكان ما .. اين ؟
-آه .. لا .. ساعود ليلا ، وقد اتاخر . لكننى اتساءل بشان كارلوس .. كان يجب ان يذهب لزيارة ابن عمه دان .. لكن السنيورا هيرنانديز اتصلت بعد الظهر لتقول ان دان الصغير قد اصيب بالتهاب فى الحنجرة والافضل ان تلغى زيارة كارلوس .. واصيب بخيبة امل .. لذا ..
ترددت فحثها : لذا ؟
-سيكون وحيدا يائسا .. لذلك سوف اخذه معى يوم الاحد اذا كان هذا يساعد .. لان كل من فى الفيلا لديهم ترتيبات من نوع ما لعطلة الاسبوع0
–انا ليس لدى اى شئ .. تفضلى بالجلوس يا سنيوريتا ! ؟
لامس ذراعها ولاحظت على الفور ان خطواتهما المتانية اوصلتهما الى الممر الموصل الى عرائش العنب .. كان عند مدخل العرائش مقعد قديم ، واشار الكونت اليه 0
تملكت غريتا احاسيس فيها عبق عطر الحديقة المختفية بعباءة الليل .. جعلها توتر مفاجئ تنظر اليه ، فمن المستحيل الا تشعر بجاذبية الكونت وبانوثتها فى جو كهذا .. بضيق وتوتر صرفت عنها الفكرة كما جاءت .. كم يمكن للخيال ان يجعل المرء ابلها؟ لم يجلس الكونت بعد ان جلست متصلبة على حافة المقعد الخشبى .. بل وقف ورفع قدمه على المقعد ، واسند ذراعه على ركبته ، ينظراليها : انت امرأة شابة ضميرك حى للغاية يا انسة تيرانت .. وانا اقدر لك اهتمامك .. لكنى لن اتركك تفسدين عطلتك0
–لن افسد شيئا .. كنت انوى ان استقل القطار الى الجبال .. لقد قيل لى القطار المعلق هو اثارة ينبغى الا تفوتنى 0
–صحيح .. لسائح .. هل تخططين لتجربة هذا القطار مع السيد سكوفيلد ؟
هزت راسها لتنفى بتاكيد : لا .. غدا اجل .. لكن ليس يوم الاحد . لذا فكرت ان .. قاطعها : ستذهبان فى نزهة لرؤية المناظر غدا ؟
-لا.. بل سيرينى المزرعة 0
بسط يده ونظر اليها : آه .. ثم تتناولان العشاء فى منزله .. بعد التحرر التام من الرسميات التقليدية .. ولتسترجعا ذكرى الوطن والاهل ، وتكتشفان اهتمامات مشتركة بينكما .. ثم يغازلك 0
–لن يفعل 0
ابتسم الكونت قليلا ولمعت اسنانه البيضاء الناصعة : اغفرى لى تكذيبى لك يا سنيوريتا .. لكنك تضللين نفسك .. اذا صدقت ما تقولين !
ملست طية فستانها : لكننى اصدق 0
–وانا اصدق الدليل الذى تراه عينى 0
ارتفع راسها بحدة : دليل .. يا سنيور ؟
-لقد بدا لى كايل سكوفيل الطيب وكانه لايصدق حظه الجيد الاسبوع الماضى ..
فكرت بصدمة مفاجئة : سيدى الكونت يرى كثيرا ! ذكرتها ملاحظته بحديث كايل وهما يرقصان ، وذلك دعاها الى ان تتذكر ذات الامسية فى حديقة الهاسيندرا .. واشتد ضغط فمها وضمت يديها الى بعضهما اكثر وقد ازعجها اصرار الكونت ان تظل تحت المراقبة . على اى حال ، ما شانه ؟
قالت بثبات : انا واثقة ان هذا كل ما فى الامر .. والحديث عن عطلة الاسبوع الماضى يذكرنى ..
–نعم يا سنيوريتا ؟
استقام ليجلس بجوارها ويضع احدى ساقيه فوق الاخرى برشاقة : ماذا عن عطلة الاسبوع الماضى ؟
نظرت امامها مباشرة وقالت بعفوية : ذكرت طلبا كنت تتمنى ان تطلبه منى يا سنيور؟
-طلب ؟ آه !
وفرقع اصابعه 0
–تذكرت .. كان هذا صفقة اريد ان نعقدها اليس كذلك ؟ الجانب الاخر منها يخص ابن اختى 0
صفقة ! كارلوس ! احست بشئ من انخفاض الهمة وهى تنتظر : سيحين قريبا عيد ميلاده .. فى الشهر القادم . لقد مات والداه قبل اسبوع واحد من موعد الاحتفال المحدد وقررنا لهذه الظروف تاجيله الى ذكرى ميلاده لهذا السنة على الاقل..
صمت .. فادارت غريتا راسها : انت حكيم جدا يا سنيور وتتفهم جيدا .. كيف استطيع ان اساعد ؟
-نظرا لوجودك بيننا ، فكرت ان حفلة ميلاد على الطريقة الانجليزية ستكون شيئا جديدا .. صديق لى استقدم مؤخرا فنيا انكليزيا ليشرف على مصنع يقيمة . واظن ان الانجليزى جار لعائلته .. سندعو الاصدقاء الجدد ، وسيساعد هذا على خلق الجو المناسب لحفلة الميلاد 0
هزت راسها : وترغب فى وجودى للترجمة والاشراف على الاولاد ؟ سافعل بالطبع 0 –بل اريدك ان تنظمى الحفل كله يا سنيوريتا ..
اجفلت : الحفل كله ؟
-اجل .. اريدك ان ترتبى كل شئ : الطعام ، وسائل الترفية ، واى شئ اخر ضرورى. اعطيك "كارت بلانش" وتعليمات الى الخدم لينفذوا اى امر تصدرينه لهم .. باختصار يا سنيوريتا ، تصورى نفسك مسئولة عن حفلة عيد ميلاد لطفل فى السابعة فى بلادك ثم نفذى النظرية 0
ظلت صامتة وهو يتحرك يميل الى الامام لينظر فى وجهها : الا ترغبين فى تنظيم هذا؟
-آه .. لا .. اعنى نعم .. ساحب هذا . لكن هل انت واثق من النجاح ؟ اعنى هل سيحبها الاولاد ؟
-وهل لديك شك ؟
اخذت نفسا عميقا وابتسمت : حسنا .. قد يكون لكارلوس طريقته الخاصة لحفلته 0 –ربما تكون هذه هى الطريقة الانجليزية ؟
- اجل .. والكثير يعتمد على الاباء طبعا اذا كانوا من النوع المتفهم .. سيوفرون للاولاد الكثير من الطعام ، ويبعدون كل الادوات القابلة للكسر ، ويتركون الاولاد يتمتعون على طريقتهم 0
سادت لحظة صمت ، وقد احست فورا بهالة من الاستهجان تحيط به .. فاضافت بسرعة : لكن هذا للكبار بعض الشئ .. وليس للصغار
تراجع للوراء : على اى حال ، لدينا الوقت لتفكرى فى الامر . ثم نناقشه برؤية بعد يوم او يومين ..سى ؟
-سى سنيور0
–اود ان اسالك يا سنيوريتا اذا كان قد ازعجك تصرف السنيور غونزاغو السئ تلك الليلة ؟
بدهشة انتقلت بذهنها الى ذكرى ليلة الفلامنغو : آه .. اجل .. قليلا ، فى ذلك الوقت .. لكننى نسيت كل شئ الان 0
زم الكونت شفتيه : انا لا اميل الى نسيان الامر بهذه البساطة 0
اجفلت بوجوم : يا سنيور .. ! هل تلمح الى ان تصرفى رخيص ؟
لوح بيده فى الهواء : لا .. ليس رخيصا .. بل غبى ربما ، وربما طائش وساذج بالتاكيد .. لكن ليس رخيصا 0
لم تستعد خطوط فمه المتصلبة ثناياها اللطيفة المعتادة ، بالرغم من الانتقاد اللاذع الذى سمعته فى لهجته .. وحاولت ان تقف .. فتلك لحظة مناسبة بالتاكيد لابداء التحفظ !.. لكن التحفظ تلاشى امام ضغط اصايعه الفولاذية حول معصمها 0
–لا يا سنيوريتا .. لن تهربى .. انا افشل دائما فى فهم ردود افعالك . انت تستسلمين لاجرا انواع التحرش فى حلبة الرقص .. وربما خوفا من الفضيحة .. مع ذلك فانت تقراين تفسيرات غير لطيفة فى ملاحظات بريئة ولو غاضبة ، فلماذا ؟
احست بالخجل : انا اسفة .. ما قصدت ذلك .. لكننى فقط افضل ان انسى ، وهذا كل شئ 0
– تنسين انك خدعت ؟
-شئ كهذا 0
وتنهدت .. ثم : اعرف ما هو رايك فى مثل هذه الامور .. و .. واكرة ان تظن اننى شجعته وساكون صادقة معك .. و ..
– وجودك فى حد ذاته تشجيع لمثل هذا النوع 0
وترك معصمها فجاة : كما شرحت لك من قبل .. مثل ذلك الموقف نادرا ما يحدث لاحدى نساء بلدى .. فتاة من عائلة محترمة لن تعرض لهذا الوقف مع شخص لاتعرفه من قبل .. وعندما ستتزوج سيتاكد زوجها من عدم تعرضها لمثل هذا الحرج .. لهذا تتعرض الفتيات الاجنبيات الى اهتمامات رجل مثل غونزاغو 0
قالت بسرعة وهدوء : اجل .. اعرف ما تحاول تفسيره .. ونحن نعرف ان هناك ايضا رجال فى مثل كياستك وشهامتك ..
قاطعها بوقار : شكرا لك يا سنيورا !
–لكن ليس من السهل دائما التمييز بين النوعين اذا كان المرء بعيدا عن بلاده .. ويرجع ذلك لتلك الهالة من السحر اللاتينى !
–هل هذا هو رايك فينا ؟
اشاحت بوجهها : على اى حال نفضل تصرفنا هكذا .. ان نكون احرارا فى اكتشاف انواع الناس بانفسنا .. بهذه الطريقة نتعلم ان نحكم 0
ساد صمت قصير وادركت عدم اقتناعه برغم اهتمامه .. فاستدارت تقول : اترى يا سنيور .. ماحدث لى نوعا من الدرس ، علمنى الحذر فى المستقبل . سيد غونزاغو. كان ساحرا فى البداية .. ويسلب اللب ايضا ! لكن سرعان ما تلاشى هذا .. فكيف تعرف بما يحدث لو انه تودد لفتاة بريئة مثل ابنة اخيك فتصدق ذلك السحر ؟ ستتزوجه بالتاكيد ، ثم تكتشف انه زير نساء ولن يكون مخلصا لها ، ولن يكون جذابا حينئذ ، وتظل تعيسة طول حياتها .. ولن تجد فيه الحبيب الذى يسعدها
0تحرك فى جلسته ، وتفرس بها عن قرب اكثر : اذن .. فانتم تفضلون علاقات حرة بين الجنسين 0
- اجل .. بطريقة ما وهذا ما احاول تفسيره .. اذا عقد شاب وفتاة كثيرا من الصدقات يساعدهما هذا فى معرفة الطبيعة البشرية ، ويكسبهما الخبرة فى اختيار شريك الحياة المناسب . دراسة الطباع مهمة للغاية فى اقامة علاقة سعيدة .. ولذلك فاكتشاف تلك الاختلافات افضل كثيرا قبل فوات الاوان 0
ارتفع حاجبا الكونت السوداوان فوق عينين مفكرتين : نعم .. اظن اننى اتبع خط افكارى .. ومن الطبيعى ان يغازل الرجل فتاة وياسر اهتمامها ، بغير مسئولية ؟
لم يكن هذا قصدها ، وقطبت .. وتولد فى ذهنها شك بانه يتسلى من وراء مظهره الوقور .. ولن يتورع عن تشجيعها لتكشف له نواياها ..
وقالت بسخط : ليس الامر بالشكل الذى تصوره .. فالفتاة تفهم هذا تماما عندما يطلب الشاب منها الخروج معه ..
–هذا هو الموعد .. اظن هذا ؟
-يواعدها ، وربما يقدم اليها هدايا صغيرة ، كالحلوى ، او التسجيلات .. لكن هذا لايعنى انه يصبح على الفور من ممتلكاتها الخاصة ، وهى كذلك 0 فكلاهما يظل حرا فى اقامة علاقات اخرى لكنهما ينفصلان عادة من دائرة اصدقائهما ويتواعدان على حدة لفترة ما ، اذا تعلقا ببعضهما كثيرا ..
قاطعها بوقار شديد : يبدو ان هناك الكثير من" لكن" و"اذا" فى مثل هذه العلاقات غير المسئولة .. اسف لمقاطعتك .. ارجوك استمرى فهذا شئ مثير 0
نظرت اليه بعصبية : لكن هذا لايعنى بالتالى ان تنتهى علاقتهما بالزواج تلقائيا .. حتى ولو قررا اعلان الخطوبة ، فهذا قرارهما حتى ولو ازعج هذا الاهل 0
وضع ذراعه على مؤخرة المقعد : فهمت .. لكن ماذا عن اهل الفتاة ؟ هل يرفضون ؟ -يرفضون ؟ ولماذا ؟ لن يعترض الاهل لانهم يحبون ابنتهم .. فهم يريدون لها السعادة 0
–لا.. لقد اسات فهمى يا سنيوريتا .. الا يعترض الاهل على التحرشات التى تتعرض لها ابنتهم من رفاقها ؟
كان حديثه يخفى تحذيرا غامضا .. وقالت بثبات : ابدا .. الوالدان لاينظران الى المسالة من هذه الزاوية اذا تعرفا على الشاب لانهما يثقان بابنتهما 0
ساد صمت عميق ، لايقطعه سوى تحرك اوراق الشجر .. كانت السماء صافية للغاية تشع بالنجوم ، والظلال تسترخى تسترخى بوضوح .. اختلست نظرة جانبية ، واستطاعت تحديد جانب وجه الكونت النحيل بوضوح تام .. كان يفكر ، لايتحرك ، ويتامل الليل طويلا قبل ان تستدير اليها وكانه توصل الى قرار ما ، وقال ببرود : فهمت الان 0
ابتسمت : ارجو ان اكون قد ساعدتك لتدرك وجهة نظرنا .. يا سنيور 0
هز راسه : لقد ادركت ان اى شاب وفتاة قد يلتقيان صدفة كغريبين تماما .. ربما فى مقهى او مسرح ودون ان يقدمهما احد لبعضهما .. ثم يكون للرجل حرية مطلقة ان يتقدم اليها اذا احس برغبته فيها .. ولن تعترض الفتاة اذا احست بالتجاوب معه .. كل هذا باسم التعليم والحكم على الطبيعة البشرية .. لو انه مد يده .. هكذا .. ولامسها .. او داعبها .. هكذا ..
تسللت اصابعه الفولاذية الدافئة الى خدها قبل ان تدرك نواياه . وادرات ذقنها حتى التقت بنظراته لتاسرها كما ياسر معصمها اصابعه 0
وجاء صوته ناعما واضحا : وقد يقترب منها اكثر ليعانقها ..
سمعت غريتا شهيق انفاسها وهى تتحرك لتكسر السحر الخطير .. على الفور تركها وتراجع .
–لقد تجاوزت القدر المسموح به ؟ هناك على ما يبدو حدود غير مرئية على المرء ان يتجاوزها بحذر ؟
ابتسمت : اظن انك لاتفهم يا سنيور . نحن لانغازل الغريب عندما نلقاه لاول وهلة 0 قال برقة : لااقول اننا لازلنا غرباء 0
–آه .. لا .. ليس هذا بالضبط ..
وتساءلت فى نفسها كيف تبعد نفسها عن هذا المازق ، حاولت ان تضحك بخفة : نحن نلتزم بالعقل دائما ونحاول كبح جماح عواطفنا 0
عندما تحدثت ، ادركت مدى سخفها .. وندمت على ذلك بمرارة .. فقد لمعت عينا الكونت بقبول لتحديها .. ورد : ومن هو بارد الدم الان ؟
هذه المرة لم تستطيع كسر السحرالخطير بسهولة ، فهزت راسها بعجز : ليست المسالة برودة دم .. وانما الامر يرتبط بالتعقل 0
بدا عليه العجب : تعقل ؟ هل تؤمنين حقا بمثل هذه النظرية الباردة ؟
حاولت ان تجادل فى موضوع اخر : لكنها ليست نظرية ! انها ..
لكن حركته العصبية صرفت النظر عن احتجاجها الواهى0
-ايتها البلهاء ! اتؤمنين حقا بقدرتها على العبث والتحكم فى عواطفك ؟ اظن انك لاتفهمين معنى الكلمة !
وتلاشى انكارها فى شهقة اثر مقاطعة الكونت لها وصدمتها مرة اخرى تلك اللمسة الحساسة المخملية ، ثم ضاعت فى قوة عناقة المحطم .. واجتاحها بجنون احاسيس جديدة .. ثم ضاعت تلك الاحاسيس الجديدة فى محيط النسيان الذى لاوجود لشئ فيما عداه وعداها 0
فى الوقت الذى حاولت فيه السعى لاستعادة احاسيسها المشتتة ، تراجع محدقا فى وجهها البيضاوى المرتجف الشاحب .. ولمع بريق الطمأنينة فى عينيه السوداوين وابتسم بجاذبية : ارغب فى ان اعلمك معنى كلامك .. يا انستى الانجليزية الصغيرة الباردة 0
كانت لاتزال ضمن اسره الدافىء .. واكتشفت غريتا ضعفا منذرا بخطر يطغى على اطرافها .. وعمل عقلها بجنون .. اهربى .. ابقى .. احتجى ! لماذا السؤال .. بلا اجابة ؟ لماذا ؟
-انت ترتجفين ! بالتاكيد عناقى لك ليس صدمة لاتحتمل ؟
تراجعت عنه تشيح وجهها : انا .. لم اتوقع منك صدمة مثل هذه يا سنيور .. انا .. –انا ؟ وهل تظنين اننى لا اتاثر بنداء الاحاسيس يا سنيوريتا ؟
بدا لها من الامان اكثر ان توافق .. فهزت راسها بغباء .. فواصل : ام اننى محصن ضد الجاذبية الانثوية .. خاصة لو كانت لفتاة ساحرة متواضعة ، لديها الجراة لتلقى على محاضرة بكل وقار ، بشان سلوكى غير الحضارى فى مجتمعات هذا العصر ؟ وقفت مذعورة : آه .. لكننى ما فعلت هذا !
وقف بدوره ووضع يده على كتفيها من الخلف : لكننى اظن انك كنت تفعلين .. واظن انك لم تتوقعى ردا سريعا كهذا 0
–لم اتوقع عرضا فعليا بمعنى الكلمة 0
تمنت ان يتوقف قلبها عن خفقاته المجنون ، والتفتت تواجه نظرته الساخرة 0 –وارجو ان تتذكر يا سنيور .. ان .. آه ..
انتهت كلماتها بشهقة ، تردد مثلها من وراء الكونت .. كان الظلام حالكا .. لكن غريتا لم تجد صعوبة فى التعرف على استريلا ولا غضبها : لقد انتظرنا ربع ساعة ! وهل نسيت .. رامون ؟
استدار يواجهها ، يحنى راسه قليلا بتحية باردة مؤدبة 0
–اعتذر يا سنيوريتا .. لم اكن اعرف 0
ثم اوقف غريتا عن الهرب : لا .. يا سنيوريتا .. ساوصلك الى الداخل 0
تذمرت استريلا وهو يقودهما نحو الترس : ستتاخر كثيرا 0
بالكاد سمعتها غريتا .. فقد احست بشئ من التوتر يغزو رباطة جاشها المشتت اصلا ، وهى ترى الكونت يتجه الى تيريستا المترقبة ويرفع يديها لشفتيه وهو يتمتم باعتذار
كان دون غوميز البدين يقف فى الخلف فى حين ارتدى الثلاثة ثياب السهرة ، وبدا جليا ان الاربعة سيخرجون معا لمناسبة اجتماعية .. قدم الكونت التحية للرجل ثم اعتذر بانه مضطر لتغيير ثيابه 0
بدا انه نسى وجود غريتا ، وابتسمت لتيريستا ابتسامة ود وانسحبت الى الطابق العلوى لتتابع التاهب للحمام . وانقلبت الساعة الماضية الى حلم غريب .. الا ان الحلم لايترك مثل هذه الاثار ! ولا هذه الكراهية التى لامبرر لها من استريلا .
لماذا جاء بها القدر فى تلك اللحظة بالذات ؟ وكم سمعت من ذلك الحديث ؟ ثم اشتد ضغط فمها .. كم رات استريلا ؟
فجاة دست غريتا سدادة المغسلة فى مكانها بقوة لاداعى لها . لاغرابة فى هذا ابدا .. وعلى كل حال الكونت هو انسان ..
كان الوجه البيضاوى يشع فى المرآة بلون زهرى .. ودست راسها تحت الماء وفتحت بجنون زجاجة الشامبو .. ثم سارعت لتبعد السائل عن عينيها ودفعت الفكرة بعيدا عن راسها ..
وماذا يهم لو رات استريلا عناقهما الحميم ؟


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
HUMAM
المدير العام
المدير العام
HUMAM


عدد المساهمات : 1983
تاريخ التسجيل : 30/11/2009

السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Empty
مُساهمةموضوع: رد: السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون   السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 9:05 pm

الفصل السابع


هل تؤمن بالسحر ؟
عاد الى غريتا احساسها بالعودة الى طبيعتها مع وصول كايل سكوفيلد فى الصباح التالى 0
مع تقدم النهار تحولت احداث الليلة السابقة الى شئ من الحلم رويدا رويدا .. بالرغم من ذلك اثرت فيها الذكرى بقشعريرة سرية مسلية لشك الكونت فى نوايا كايل 0
بصفة عامة كانت تنبؤات الكونت صحيحة للغاية الا شئ واحدا . فقد اراها كايل اجزاء من المزرعة اضافة الى بعض الجياد الرائعة التى لم ترى مثلها من قبل .. ومازحها قليلا بنكات مرحة خلال وجبة طعام لذيذة فى منزله المتواضع والمريح جدا .. وبعد ان جاءت مدبرة منزلة بالقهوة وانصرفت ، دعاها الى الانضمام لحديثه عن حياته ورحلاته ، لكنه لم يعبث مرة خلال اليوم الطويل .
ابتسمت باحساس دافئ وهى تفكر اثناء جلوسها بصمت بجانب كايل فى طريق العودة ان للكونت طريقة تفكير ملتوية ..
-لماذا تبتسمين ؟
اعاد صوت كايل غريتا لما يدور حولها وادركت ان السيارة توقفت . رات خطوط الفيلا منعكسة امام صفحة السماء المخملية ، فاستدارت الى الرجل الذى يجلس وراء عجلة القيادة .. فهز راسه : لا اظن انك قد سمعت كلمة مما ذكرته !
-انا اسفة .. ماذا قلت يا كايل ؟
وجهت اليه ابتسامة اعتذار فسلبت لبه : لا شئ مهم .. كنت اسال عن ترتيباتك للغد ؟
قالت له ، فرفع حاجبيه : هل تمانعين فى انضمامى اليك ؟ انا دليل خبير .
ترددت ثم ضحكت : وهل تخاف ان اضيع فى الجبال ؟
-الاستكشاف الثنائى اكثر مرحا .. اتفقنا اذا ..
فتح لها باب السيارة : ساوصلك الى المنزل 0
تلاشى احتجاجها مع صوت اغلاق الباب ، ووضع يده تحت مرفقها وهما يسيران على الممر المغطى بالاشجار حتى باب الشرفة المسقوفة . عندئذ توقف كايل ينظر اليها لحظات ، وهو لايزال يمسك ذراعها بيده الدافئة . فاختبرت لحظة شك .. لماذا يتوقع الرجال مكافاة ما لاخراجهم فتاة ؟ شعرت فجاة انها لاتريد منه اى شئ ولا حتى قبلة وداع رقيقة ، ثم احست ان يدها اصبحت فى قبضته الدافئة وسمعته يقول بخفة : لا ..لا اظن انك فتاة تهتم بان تكون تحية المساء قبلة .. هل انا على صواب ؟
نظرت بدهشة .. واضاف بنعومة : الا اذا شعرت بالاهانة ؟
ضحكت : آه يا كايل كم انت غبى ! شكرا لك اليوم الرائع الذى قضيناه سويا 0
رفعت نفسها باندفاع لتقبله .
ابتسمت وهى تركض بخفة فى طريقها الى غرفتها . كانت الفيلا الكبيرة صامته وكانها مهجورة ، وصاحت اجفالا بصوت منخفض عندما انطفا ضوء الممر مع وصولها الى اعلى السلم .
كانت كارلوتا هى المسؤولة عن هذا ، تغلق باب غرفتها لتوها .. وظهرت لتنظر بفضول نحو غريتا ..
–انا اسفة .. لم اسمع وقع قدميك .. لكننى لم استطيع النوم والانوار مضاءة ، هل امضيت يوما سعيدا ؟
-بل رائعا 0
-اذا السنيور الانجليزى جذاب جدا ، اليس كذلك ؟
-اجل .. فهو انيق المظهر 0
لكن كارلوتا هزت راسها وقالت حالمة : لا اعنى مظهره فحسب بل الطريقة التى يتعامل بها مع امرأة كندا له .. ومع ذلك يحميها كما ينبغى ان يفعل المرافق 0
قالت غريتا بدهشة : لم اكن ادرك انك تعرفين كايل بهذه الدرجة لتلاحظى كل هذا .. تنهدت وهى تشعر برغبة كارلوتا فى تبادل الاسرار ، واستندت الى اطار الباب بابتسامة : هل حدث اليوم شئ مثير هنا ؟
اغمضت كارلوتا عينيها وتنهدت بعمق : لم يحدث هنا شئ اليوم ، فقد كان يوما مملا 0 –بهذا السوء ؟
-كان كارلوس مكتئبا لانه لم يتمكن من زيارة دان ، واضطررت الى تسليته .. وكان خالى سئ المزاج كذلك . ثم زارتنا استريلا وتيريستا لرؤية ايزابيلا .. حتى تيريستا كانت فى مزاج سئ 0
اخفضت كارلوتا صوتها ، واسترسلت : انها تتحدث عن عودتها الى لاوروبا تبوا مركز فى المؤسسة التى كان يعمل بها زوجها .. والجميع يحاول اقناعها بالتراجع عن ذلك 0
–لايوجد ما يمنعها من العودة الى اوروبا اذا كانت هذه رغبتها .. لماذا لاتقبل بوظيفة فى مؤسسة زوجها الراحل ؟ على اى حال ، لاشك ان لها صداقات كثيرة هناك واظن انها فكرة جيدة 0
–اجل .. لكن هناك دون غوميز .. الذى تحاول الهرب منه 0
وضحكت كارلوتا .. ولم تهمس غريتا كما فعلت الفتاة : لست مندهشة لهذا ، فالعائلة تصر على دفعها بين ذراعى اى رجل 0
هزت كارلوتا راسها بحزن : بعد ذلك يمكن لاستريلا .. ان تحول اغراءها لخالى وضميرها مرتاح
قالت غريتا بحدة : يرجع الامر الى خالك بالتاكيد ليقرر من يقوم بالاغراء 0
ضحكت كارلوتا بصوت منخفض : آه .. لكن لنا وسائلنا لمساعدتهم فى اتخاذ القرار .. هل تظنين اننا لانخادع ابدا ؟
استقامت غريتا وبدات تتحرك لتبتعد 0
–لا .. لا اظن هذا .. لكن اذا كان يجب ان يتزوج احداهما ، فسيكون اكثر حكمة لو اختار تيريستا 0
رفعت كارلوتا راسها بحزن : اظن ذلك ايضا .. فمن اجلها قد تتنحى استريلا ، ولكن ليس من اجل سواها .. كان يجب ان تكون هى الاخت الاكبرى .. انها مستبدة .. لكن خالى سوف يروضها ويكبح جماحها 0
لكن غريتا لم ترتح للفكرة .. فقطبت وقررت ان تضع نهاية للحديث عن توقعات زواج استريلا والكونت .. وقالت كارلوتا فجاة : تحدثنا عنك اليوم بعد الظهر 0
–حقا !
–كانتا تاملان ان تنجذبى الى السنيور سكوفيلد وينجذب اليك .. استريلا كانت واثقة انه منجذب اليك 0
مالت الى الامام وكانها تسر بشئ : انهما تخططان لدعوتكما الى الانضمام لنا فى " الفيستا " .. انت لم تشاهدى " فيستا " من قبل ، صحيح ؟ اوه .. انها مناسبة رائعة .. خاصة للاحبة .. حين ..
تحركت غريتا فجاة لتقاطعها : الوقت متاخر ..
اخفت غضبها الى ان ودعت كارلوتا .. وعندما وصلت الى غرفتها كانت تغلى سخطا0
كيف تجرؤان على جمع اسمها مع كايل ؟ تلك فكرة سخيفة لانها تعرفه منذ فترة وجيزة ولم تخرج معه سوى مرة واحدة ! ماذا سيقول كايل لو سمع هذا ؟ على الارجح سيضحك لكن الامر ليس مضحكا .. والكونت بالتاكيد لم يشارك بهذا التفكير الغبى حول ..
فجاة تمنت لو تتفق على قضاء بقية العطلة معه .. فذلك سيمنحهم بالتاكيد مزيدا من الاقتناع .. لماذا لايهتمون بقناعاتهم الخاصة ولايطبقونها عليها ؟
جعلتها موجة سخط تخلع سترتها وتصفق باب خزانتها .. لماذا القلق هكذا ؟ ليس من حق الكونت او اصدقائه ان يقرنوا اسمها باسم احد .. الم يحذرها يوما من التورط فى الخلافات العائلية ؟ كان يجب ان يحذرها من استخدامهم حريتهم فى توريطها فى شائعاتهم بشان الزواج ..
لكن حين اصبحت كايل ، لم تستطيع ان تخبره بالامر .. وبدلا من التسلية المشتركة التى تصورتها ، كان هناك اكتئاب يخمد روحها المعنوية وهى تصعد القطار المعلق مع كايل .. على اى حال ، مع بداية الرحلة ، تبدل اهتمامها عندما فرضت الجبال سحرها0
كانت القرى الصغيرة التى يمر بها القطار المعلق رائعة .. وايضا التسلق عاليا الى قلب الانديز يقطع الانفاس ، ومرعب احيانا 0
عند كل منعطف قوى ، كانت غريتا تميل نحو كايل وتمتد يده لتمسك بها ، وانتاب غريتا الدوار حين نظرت الى المئة القدم هبوطا الى الاسفل 0
امسك كايل يدها مطمئنا ، وقال بمرح : لاشئ اعلى من تلك القمة .. للبيرو اعلى محطة قطار ركاب فى العالم .. يقدمون الاوكسجين للانعاش من يصل الى هناك حيا من الركاب 0
–كايل !
–لاتقلقى يا حبيبتى ، فلن نذهب اليوم الى هناك .. فالوصول الى القمة يستغرق معظم الوقت خلال اليوم ..
ساعدها لتنزل من القطار ، وتوقف ليختار زهرة من على جانب الطريق .. وضعها خلف اذنها ، لكنها وقعت فورا .. فالتقطها ضاحكة و هى تفتش فى حقيبتها عن دبوس تثبت الزهرة فى باقة فستانها : الى اين سنذهب ؟
- سنسير قليلا فى البداية .. ثم نذهب الى السوق عندما نحتاج لبعض الطعام .. اعرف مكانا رائعا نستمتع فيه بتناول الطعام 0
لم تحضرها لهجته الحماسية لروعة المناظر التى تنتظرها حين خرجا من منتصف الطريق الترابية الى ممر اخر ضيق يلتف صعودا على جانب التل و يطل على الوادى كله . ولاول مرة رات غريتا الهنود الحمر بملابسهم التقليدية الزاهية اثناء عودتهم من الكنيسة ، وهم يقطعون الجسر قرب الكنيسة ثم يهبطون نزولا الى القرية 0
كان الجو صحوا وصافيا ، وبدت الالوان مشرقة ، لكن القمم البعيدة فى الخلف كانت هى سبب احساسها الغامر بالرهبة . وشردت نظراتها ، نحو المروج وصبر من التربة الضحلة القاسية .. وادركت مدى صعوبة الحياة لهنود الانديز هنا 0
لامس كايل ذراعها فاستدارت لتمسك يده المرشدة فى طريقها هبوطا فى الممر المنحدر الوعر .. مسيرة قصيرة اوصلتهما الى القرية ثم الى الباحة الرئيسية التى هى عصب حياة القرية وتجولا بكسل لمدة ساعة بالسوق ، واختارت قطعة فضية على شكل قلادة ترسلها الى امها ، وبعد جدال قصير سمحت لكايل ان يشترى لها "بونشو" او ما يشبة العباءة المزينة الاطراف باللون القرمزى ، وقال ضاحكا : الان ستشعرين وكانك من اهل البلاد 0
كان كايل قد جاء معه بسلة طعام ورمق غريتا بنظرة فهزت راسها موافقة ، وهى تحس بالعطش والجوع 0
وجدا مكانا معزولا قرب الممر الملتوى وفتحا الغداء الذى اعدته من اجلهما مدبرة منزله ..
افرغ كوبين من العصير ناولها احدهما ورفع الاخر .
–نشرب نخب ماذا ؟ الجبال ؟ البلاد القديمة ؟ ام لنا ؟
تلفظ الكلمة الاخيرة بصوت منخفض له معنى ، او هكذا تراءى لغريتا .. فجاة استعادت كل افكارها المزعجة التى راودتها فى الصباح .. فاطرقت ببصرها وقال كايل : ما الامر ؟
افضل حل هو ان تضحك على الامر ، لكنها لم تستطيع مواجهة نظراته .. كيف تقول لرجل ان الناس تقرن اسمه باسم فتاة قابلها مرتين متتاليين فقط ؟ وان اولئك الناس لايخفون سرا بغرض الجمع بينهما ؟
ابتسمت على مضض : لاشئ فى الامر ايها الاحمق .. انه يوم ممتاز 0
بدا جادا على غيرعادة : متاكدة ؟ لقد لاحظت هذا الصباح شيئا يقلقك ، وظننت اننى اتخيل ولم اعد واثقا الان من تخيلاتى 0
-انه مزاجى الصباحى المعتاد .. ليس الامر فى يدى 0
لم تسترخ تعبيرات وجهه ، واتكا للوراء على مرفقة يحدق فيها مليا : هل انت سعيدة حقا هنا ؟
-هنا ؟ اجل انا طبعا سعيدة .. البلاد ساحرة وهناك اشياء كثيرة اراها واكتشفها 0
زم شفتيه : لم اقصد هذا .. بل قصدت عملك .. هل يعاملونك بشكل لائق ؟
عادت اليها دهشتها : حتى الان ، لااستطيع التذمر .. لكن لماذا تسال ؟
هز كتفيه : لازلت صغيرة السن .. ولااحب التفكير بان الامور لاتسير على ما يرام كما كنت تاملين
0تاثرت غريتا باهتمامه بها .. قالت بصوت منخفض : يسعدنى ان تهتم . لكن كل شئ على مايرام ، وهم لايختلفون كثيرا عنا الا فى مسالة التقاليد 0
قاطعها فجاة : لاتخدعى نفسك .. لن تفهمى بمثل هذه البساطة عمق التفكير اللاتينى .. حتى لو كنت حكيمة ..
لاذ بالصمت فور سماعه اصواتا ، وتطلعت غريتا حولها .. سمعت اصوات اناس يتقدمون ، ثم اجفلت بوجوم .. كان صوت الولد يرن بوضوح فى السكون ولايمكنها ان تخطئه ، وكان ساخطا بحدة : لكن هذا صحيح ! اقول لك انها السنيوريتا تيرانت ! فهى مع السنيور سكوفيلد .. ووراء هذا المنعطف سترى اننى ..
ظهر راس كارلوس الاسود الصغيرمن فوق شجيرات فضية الاوراق ، وراته غريتا .. فتوقف وبدا حائرا بين الركض لتحيتها والبقاء حيث هو ، وتفوق احساسه الاخير0 0 التفت صائحا نحو الغرباء المتقدمين ببطء : انها هى ! لقد قلت لك تبا .. انهما هنا !
ثم انطلق نحو غريتا وكايل ، وبدا بسيل من الاسئلة .. اجاب كايل بشغف وصبر ، لكن
ردود غريتا كانت الية وراقبت الطيف الطويل للكونت وهويظهر امامها يمد يد لمساعدة تيريستا واستريلا على التوالى وهما تتجاوزان الحافة للممر .. بعد ذلك تحرك ليمر نحو الفسحة الصغيرة ، حيث كانت اغراض النزهة لاتزال مفتوحة تنتظر اعادة توضيبها 0 لماذا قرر تلك النزهة وفى ذلك اليوم ؟ وبكل تاكيد هذه ليست نزهة من النوع الذى تختاره تيريستا او استريلا .
احست بنظرة الكونت عليها .. لاحظت استهجانا متحفظا فى عمق عينيه السوداوين .. فتصاعد الاحمرار الدافئ الى وجنتيها ، وادارت وجهها جانبا 0
ابتسمت لها استريلا ببرود : يسعدنى انك وجدت كايل ليريك البلاد . ليس من المستساغ ان يتجول المرء وحدة فى بلاد غريبة 0
تدخل كايل بحزم بدا مبالغا فيه : بل يسعدنى انا لاننى وجدتها لاتجول معها 0
ثم نظر الى كارلوس المطالب باهتمامه مبتسما : ما الامر اميغو ؟
-انها حفلة عيد ميلادى .. ستتلقى دعوة رسمية .. لكننى ارجو ..
واخذه كارلوس على حدة ليشرح له الامر . ابتسمت استريلا مجددا 0
-من المؤسف ان تكون ليما بعيدة لدرجة لاتساعد كايل على مقابلتك .. ولاارى اى مانع ان تظل معنا الليلة لو شئت قضاء عطلة اسبوع طويلة فى الريف .. اليست هذه فكرة رائعة يا تيريستا ؟
اكدت تيريستا : اهلا ومرحبا بك 0
لكن لهجتها كانت الية ..وتسمرت عيناها على عباءة البونشو ، ذات الاطراف الحمراء المنبسطة على الارض قرب سلة الطعام ..
رفعت غريتا نظرها لتلتقى بنظر الكونت مجددا ، وبدا صمته يكشف كل شئ اسرت لها به كارلوتا .. ولم تستطيع ان تعرف بماذا يفكر ، وفجاة عاد الاحمرار المزعج الى وجهها .. تكور فمها بشدة و استدارت ، تتمتم الشكر لتيريستا على دعوتها قبل ان تجمع احتياجات طعام النزهة 0
اخذت الاطباق والاكواب لتغسلها فوقع ظل فوق المياة المترقرقة 0
-لماذا انت حزينة ؟
رفعت راسها ولمحت تيريستا تجلس وراءه بجانب كايل ، وكارلوس يمزح بينما وقفت استريلا تراقب 0
-لست حزينة ابدا يا سنيور .. ولماذا الحزن ؟
-سؤال .. بسؤال .. لاتقلقى ، فسرعان ما ازيل عنك التطفل واحاول ان اصرف انتباة ابن اختى الى مكان اخر 0
غسلت الاكواب بعناية وهى تقول : الامر لايعد تطفلا على الاطلاق .. نحن نرحب بانضمام كارلوس اليوم الينا ، اظن اننى اوضحت لك هذا قبل يومين 0
–آه ..اجل .. لكن الظروف تغيرت منذ ذلك اليوم 0
قالت ببرود : ابدا .. كارلوس يحب صحبة كايل ..
–ربما لكنه ترتيب غير مناسب . واظن اننى اوضحت رغباتى فى هذا الصدد 0
استدار ينادى كارلوس بحدة ، لكنه استجاب بفتور : سى .. تعال وانظر 0
وركز من جديد على شئ عبر الوادى ، ولحق الجميع باشارة الولد الصغير 0
قال كايل شيئا .. وضحكت تيريستا بنعومة ، ثم اطلق كارلوس تعليقا لم تفهمه غريتا ، لكنه جلب الابتسامات على وجوة الثلاثى .. تبعه تعليق ساخط من الكونت .. وتحرك ووضع يده على كتف كارلوس .. ولاذ الولد بالصمت 0
ربطت غريتا غطاء سلة الطعام .. ثم استقامت تتحرك ببطء الى السياج لترى ما الذى شد اهتمامهم جميعا ، من هذا المكان الاستراتيجى ، يمكن رؤية الوادى ممتدا فى الاسفل ، حتى حدوده الرمادية والبيضاء والتى تحتضن القرية وتظهر باحة السوق .. اتكات بيديها على السياج ، واستسلمت لحالتها المزاجية الساخطة ..
تمنت لو ان المجموعة لم تات الى هنا ، ولم ترها مع كايل .. ولم يعفوا انه اشترى لها " البونشو " .. لمح الكونت على صدرها زهرة ، وهو يدرك بغير شك ان الفتيات لايقطفن الزهور لانفسهن .. لكن ماذا يهمها بحق السماء لو لاحظ هذا ؟ ثم اجفلت خارجة من تفكيرها على وميض ساطع .. ثم سطع وميض اخر فى ذات النقطة وادركت انها لايمكن ان تكون سيارة ، ثم عاد الوميض مجددا .. هذه المرة سلسلة متواصلة تسبب الدوار ، وصاحت : لاشك ان هذه مرآة !
مال كايل الى الامام ينظر اليها مبتسما : انه صبى هندى يحاول جذب اهتمام الفتاة التى اختارها .. انت لاترينها الان ، لكنها موجودة بقربه ..
قالت تيريستا بصوتها الهادئ اللطيف : سيقلب لها قبعتها من الداخل الى الخارج حين ترد عليه .. ثم يصنعان نموذجا مصغرا للمنزل الذى ينويان انشائه ، وياخذانه الى الكنيسة ليضعانه فى مكان معد لامثاله 0
قال كايل : هذا صحيح .. ويضيفان اليه تماثيل بعدد الاولاد الذى يرغبان فى انجابهم ، وعدد الماشية . التى ستجلب لهم الازدهار ..
وسيزرعان الذرة حول كل هذا .. فاذا نما الزرع وترعرع ، ستتحقق رغباتهما اما لو توقفت عن النمو ..
وفتح يديه وبسط راحتيه الى الاعلى 0
علقت استريلا بجفاء وهى تحدق بغريتا : يبدو انك ضليع فى خرافات "الانديز" .. هل جئت بمرآتك استعدادا ؟
ردت غريتا : مجرد مرآة حقيبة صغيرة .. مثل التى معك 0
وابتهجت فى سرها عندما رات الابتسامة على وجه استريلا ..
واجفلت فجاة لاحساسها باقتراب الكونت من كتفها ، متاكدة ان تعليقا ساخرا سيكون من نصيبها .. لكن كايل قال بسرعة : انظروا .. ها هى .. وهى تعطيه الرد 0
رات غريتا تحرك الفتاة واللمعان الازرق لعباءة الفتاة الهندية " البونشو " وتنورتها الحمراء القاتمة 0
تابع كايل حديثه : ستهرب منه الان .. وسيلاحقها ، ثم سيحاول انتزاع قبعتها او منديل راسها .. وعندما ينجح ، لن تستطيع الهرب منه ، امتلاكه لشئ منها لامس شعرها
يعطيه السلطة عليها ..
الان استطاعت غريتا رؤية الفتاة بوضوح .. وكما تكهن كايل ، كانت تركض على سفح التلة صعودا .. وكان الصبى يقفز فوق السفح .. وسرعان ما ضاقت المسافة بينه وبين طريدته بسبب خطواته السريعة .. ثم انقلب فرح الفتاة وضحكاتها الى عويل الم بعد ان علقت قدمها فى طية تنورتها الطويلة وانبطحت ارضا 0
تعالت صيحة الفتى المنتصرة فى الوادى ، وما هى الا لحظات حتى امسك بقبعتها الواسعة الاطراف وابتعد .. واخذ يراقبها من مسافة امنة وهى تلملم نفسها وتقف وتستدير نحوه بارتباك .. وبدا للعيان ان الفتاة لم تبذل جهدا يذكر لاستعادة قبعتها .. وفى النهاية توجه الاثنان وكانهما يرقصان هبوطا من فوق التل نحو القرية .. لابلاغ الاهل والاصدقاء بخبر الخطوبة 0
–انها عادة حميدة!
استدارت غريتا بعد ان اثارها ذلك الصوت الغريب ، والتقت نظرة الكونت الساخرة .. ثم استرسل ساخرا : ارى ان هذه الخرافات التقليدية تروق لك 0
وهى ترى الجميع يلتفت اليها ، لاقت نظرته الخفية العنيدة من وراء نظارته السوداء 0 –ولم لا ؟ وبما انك سالت ، اجل ، تروق لى . واظنها عادة رومانسية جميلة .. واتمنى عندما يزرعان الذرة لاولاد المستقبل ومنزلهما الصغير ان تنمو البذور قوية وطويلة .. وارجو كذلك الا تستعيد قبعتها ! لكن بالطبع ، انت سنيور ، الا تؤمن بالسحر ؟
نظر اليها لحظة صامتا .. ولم تكشف خطوط فمه شيئا من رد فعله الداخلى على ملاحظتها الجريئة : كى اكسب امرأة يا سنيوريتا ؟ اهذا ما تعنينه ؟
لم ترد .. وسمح لنفسه بابتسامة باهتة : وهل الحب بمفهومة الكامل يعنى نوعا من السحر ؟ هو سحر سنيوريتا للاسف لن يحافظ على سحره دائما 0
وهى تنظر اليه ، احنى لها راسه ساخرا واستدار الى الاخرين ..
وقبل ان تدرك ما يحدث ، كان قد اخذ مجموعته الصغيرة وغادر المكان وكانه يفى بوعده السخيف : ازالة التطفل !
نسيت كايل لحظات قليلة واراحت يديها على السياج تصغى الى وقع الاقدام التى تطا الحصى فوق الطريق الترابية ثم تتلاشى بالتدريج نحو القرية .. وساد الصمت ..
فجاة .. بدا الوادى خاليا.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bride.ahlamontada.com
 
السـيـف والقـمـر ..مارجري هيلتون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صور نجمة هوليود باريس هيلتون - احدث صور رومانسية لنجمة هوليود ياريس هيلتون - صور 2010
» اكبر مجموعة صور لباريس هيلتون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: 
(¯`v´¯)-»منتدى الثقافة والاداب« -(¯`v´¯)
 :: قسم الروايات
-
انتقل الى:  
آلـ ـتـآلـ ـتـ ــ ـبـ ــ ـآـ ـدل آلـ ـنـ ــ ـصـ ــ ـيـ

اعلان نصي اعلان نصي اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي اعلان نصي اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي اعلان نصي اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي
اعلان نصي اعلان نصي اعلان نصي

جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة ©2011 لمنتديات عروس البصرة
 
عروس البصرة غير في شهر الخير

IP