من اشهر التقاليد الرمضانية التي دأب العراقيون على ممارستها في ليالي شهر رمضان المبارك، لعبة المحيبس (الخاتم) التي تجرى بين فريقين من مناطق مختلفة او احياء متجاورة، وتطورت اللعبة في العراق لتكون على شكل بطولات اشبه بلعبة كرة القدم، فيها الفرق القوية والضعيفة والمتوسطة. وتجرى مباريات البطولة عادة بعد الفطور وتستمر حتى وقت السحور، وليس هناك عدد ثابت او محدد لعدد اعضاء الفريق قد يكون (12) لاعبا ويصل إلى (400) (اي 800يد مقفلة) وحسب المباراة واهميتها، وقد يتفق الفريقان على العدد مسبقاً.
ولعبة المحيبس (الخاتم) تعتمد على الفراسة وقوة الحدس لدى لكل رئيس فريق، وتتلخص ان يقوم رئيس احد الفريقين باخفاء المحيبس (الخاتم) في ايدي فريقه بعد اسدال ستار من القماش حتى لا يتمكن الفريق المنافس من رؤيته، وبعد ان يتم وضع المحيبس في يد احد اعضاء الفريق يقوم رئيس الفريق المقابل بالبحث عنه في الايادي المغلقة، وفي حالة العثور على المحيبس يحتسب للفريق المنافس نقطة ويأخذ المحيبس له ليقوم بنفس العملية، اما اذا لم يتم العثور عليه فإن الفريق صاحب المحبيس يحتفظ به وتحتسب له نقطة ويكرر نفس الفريق العملية إلى ان يجده الفريق المنافس وينتزعه منه.
كما تتخلل هذه اللعبة اغاني (الجالغي البغدادي) او المربعات وهي مستمدة من المقام العراقي، وتشيد عادة هذه الاغاني بأحد الفريقين او تتغزل بفتاة او حبيبة لاضفاء طابع جمالي على اللعبة، وترافق اللعبة، ايضا (صينية الزلابية والبقلاوة) وهي حلويات توزع على المشاركين والجمهور الذي يحضر وقد تكون هناك اكثر من (صينية) يدفع ثمنها الفريق الخاسر في اللعبة.
عادل الذيب (يلقب بالذيب لانه كان يخطف المحيبس) احد لاعبي فريق (منطقة الفضل) في بغداد قال "للاسف منذ الاحتلال الامريكي لبلدنا لم نمارس هذه اللعبة لعدم توفر الاجواء المناسبة، واقتصرت اللعبة على ابناء الحي الواحد، او عدة بيوت متجاورة، كما ان الامريكان قتلوا طقوسنا الرمضانية بمداهماتهم الليلية".
اشهر لاعبي العراق جاسم الاسود من (منطقة الكاظمية) اكتفى في السنوات الاخيرة بفتح دكان صغير بجانب داره وابتعد عن اللعبة قال "سابقا يأتي الينا اخواننا من الاعظمية ونلعب معهم بجو جميل وودي ترافقه اغاني الدبكات الشعبية، وغالبا ما نذهب اليهم عبر جسر الائمة مشياً على الاقدام بعد الفطور ليستقبلونا بالاحضان ونلعب في منطقتهم، كذلك هم يأتون الينا لنستقبلهم عند رأس الجسر بدبكات شعبية ترحب بهم".
ويتساءل بألم "هل تعود تلك الايام؟، ويذهب عنا هذا الكابوس المقيت الذي فرق الاخوان عن بعضهم ونعود ونجتمع مرة اخرى، في الاعظمية مرة، وفي الكاظمية مرة، وفي مدينة الصدر والفضل والحرية والشعلة وفي الكرادة والدورة والطوبجي".
اما فواز العبيدي من منطقة الاعظمية احد لاعبي فريق الاعظمية فيقول "ان المشكلة في عدم اللعب لا تكمن في الاخوان في مدينة الصدر او الكاظمية او عندنا في الاعظمية او الفضل، بل ان الجميع عاجزون عن توفير الحماية للفريق الضيف وحتى اهل الدار ليس هم بمأمن، فمثلا نحن في الاعظمية نخشى على ضيوفنا ان يهاجمهم المسلحون المجهولون او يتابعوهم لدى عودتهم ويقوموا باختطافهم وبالنتيجة قد تؤول الحادثة وتصبح فتنة لا نعرف مداها، ايضا نحن نخشى على انفسنا، وهذا الشعور ينطبق على اهل مدينة الصدر او الكاظمية فهم يفكرون نفس تفكيرنا".
مدينة بغداد عرفت العديد من الفرق القوية في لعبة (المحيبس) منها فريق (منطقة الفضل) وفريق (منطقة الثورة) سابقا حاليا (مدينة الصدر) وفريق (منطقة الاعظمية)، وفريق (منطقة الكاظمية) وفريق (منطقة الشعلة) وفريق (منطقة الحرية) وفريق (منطقة الطوبجي).
الحاج جاسم البغدادي يستذكر "ان الفرق المتبارية عادة ما تجري مبارياتها في احدى باحات الدور الواسعة ذات الشناشيل، فيما تراقب النساء المباريات من الطابق الثاني للدار".
وللعبة (المحيبس) قواعد منها اعتبار الفريق خاسراً ويطرد من البطولة اذا ثبت انه يتعامل ب(محبسين) خاتمين، كما ان هناك حكماً ومساعداً له في كل لعبة على ان يتصف بالحياد والنزاهة.
وكل لاعب عليه مدّ يديه المقفلتين ورفع رأسه إلى الأعلى فيما يقوم رئيس الفريق المقابل بقراءة معالم وجهه ومدى اتزانه ويقرر ان كان حاملا بيديه المحيبس ام لا .